بقلم - حمدي رزق
ما قل ودل على تواضع العلماء، تلقيت رسالة من ثلاث كلمات من فضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور محمد شوقى علام تعقيبا على مقال «آثِمٌ قَلْبُهُ!». قال فضيلته: «نصيحتك غالية ومقدرة».. بوركت مولانا الطيب.
وتلقيت تعقيباً على المقال عينه فى رسالتين، الأولى من قاض معتبر (تحفظ على ذكر اسمه التزاما بالتقاليد القضائية) يلفت النظر إلى قاض جليل قضى مبكرا ومرارا بإلزام المؤسسات الدينية بالحياد الانتخابى. «أدرك أحد قضاة مصر، المعروفة عنه الشجاعة والاجتهاد وحسه الوطنى، خطورة الأمر، ففى 18 فبراير 2011، أى عقب الثورة بأقل من شهر، أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الجليل الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، حـكماً يحظر استخدام المساجد لتحقيق أهداف سياسية وحزبية، وهذه القاعدة ابتدعها القضاء الإدارى لخلو التشريع من قاعدة حظر. ثم أكدها القاضى نفسه فى حكم آخر فى 19 فبراير 2013 قالت المحكمة فيه: «إنه على ضوء التجارب المريرة التى عاشها الوطن من جراء استخدام المساجد والزوايا فى استغلال البسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين بين التيارات الدينية المختلفة مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد والتى أدت إلى التنابز اللفظى والعنف المادى، كان ضحيته كثيرا من الأرواح وتخريب الممتلكات، فلا يجوز مطلقا استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، لما فى ذلك من تعارض مع قدسية المسجد والإضرار بالمصالح العليا للبلاد».
وحينما أصدر عدلى منصور، الرئيس المؤقت للبلاد، القانون رقم 51 لسنة 2014 بتنظيم ممارسة الخطابة، وضع عقوبة مشددة لمن يعتلى المنابر دون ترخيص، وخلا النص من عقوبة استخدام المنابر لتحقيق أهداف سياسية، فأصدر القاضى الجليل مجدداً حكماً فى 28 ديسمبر 2015، أكد فيه ذات القاعدة التى سبق أن استنتها ذات المحكمة قبل اعتلاء الجماعة الإرهابية الحكم وأثناء حكمهم وبعد حكمهم، وناشدت المحكمة مجلس النواب تجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية حتى ولو كان مرخصا له بالخطابة، وهو الأمر الذى خلا منه قرار رئيس الجمهورية المؤقت، لأن استخدام الخطيب للمنبر فى غير أهداف الخطابة والانحراف بها فى أتون السياسة سعيا لتأييد طرف ضد آخر، يجعله قد خالف شروطها، والقاعدة الفقهية أن المسلمين عند شروطهم، خاصة فى ظل الظروف العاتية التى تواجه العالم لمحاربة الإرهاب ودعاة الفكر الشيطانى التكفيرى، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامى غاية جهدها لمواجهته للحفاظ على كيان المجتمع واستقراره ورعاية المصالح العليا للأمة. هذا القاضى الذى يتكشف لنا يوماً بعد يوم أن أحكامه لها بُعد نظر كبير لتنطبق على كل عصر، فلماذا لم يهتم مجلس النواب بسد هذا النقص التشريعى الخطير؟ ومن الدكتور محمد شتا، الأمين العام الأسبق للإدارة المحلية، تلقيت رسالة حول «آثِمٌ قَلْبُهُ»: الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضيه، فدعنى أختلف معك فيما ذهبت إليه فى مقال (آثم قلبه). دعنا نتفق على غياب الوعى السياسى عن شريحة كبيرة من المصريين، وذلك لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها، ولكنه واقع يلمسه كل من يلامس الشارع السياسى المصرى. ويمكن تصنيف المواطنين المصريين الذين يحرصون على الإدلاء بأصواتهم إلى ثلاثة أنواع. الأول: هو من يذهب مدفوعا بانتمائه العقائدى، وهم غالبا من ينتمون للإسلام السياسى، والثانى: هو من يعطى صوته بمقابل مادى أو معنوى، قد يكون مالا أو هدايا عينية، زيت وسكر ولحم، أو خدمة ينتظر الحصول عليها أو لاعتبارات معنوية كقربى أو مصاهرة أو جيرة، والثالث: يعطى صوته مدفوعا بضميره الوطنى، وهم قلة للأسف، ومهما بذل المرشح من جهد فلا يجتذب إلا قلة قليلة من العازفين عن التصويت من النوع الثالث.
لذا فإن وضع عملية التصويت فى إطار شرعى باعتبارها شهادة أمام الله يثاب من يقوم بها بحق، ويأثم من يتراخى عنها أو يؤديها بالباطل هو عين الصواب، وأشيد بما ذهب إليه فضيلة المفتى لأنه سيجعل كثيراً من الناس يعيدون النظر فى سلبيتها أو فى عدم إعطاء الشهادة حقها فى الاهتمام بحسن الاختيار.
ليتك تعيد النظر فى وجهة نظرك وتشد على يد فضيلة المفتى، وتطالب الأزهر ووزارة الأوقاف بإثارة هذه القضية بأعلى صوت، ليس من أجل حشد الناخبين للمرشح ولكن من أجل مصر.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه