بقلم - حمدي رزق
أحسن الفنان الكبير عادل إمام قولاً: «إحنا مش ناقصين لجان فاشية»، الفن رقيب على نفسه، والجمهور هو الحَكَم الوحيد، عنده حق، لجنة الأستاذ محمد فاضل مهما تجملت قولاً.. وصاية مرفوضة، وأى وصاية على الفن مرفوضة.
ما كان يتصور عقل أن يضطلع مخرج كبير بمهمة الرقابة على الفن، كنت أظنه من الرافضين، ولكنه قبِل أن يكون محتسباً جديداً، وكأن المشرحة ناقصة رقباء، كفاية على الفن وأهله «جماعة النهى عن الإبداع»، التى تجول فى الطرقات كالعسس فى المدينة تبحث عن مشهد هنا أو لقطة هناك لتعلق الفنانين على أعواد المشانق، تكفيراً وتفسيقاً وإبلاغاً بتهم ما أُنزل بها من سلطان.
اضطلاع المخرج الكبير محمد فاضل، وله فى النفس معزة، بهذه المهمة يخصم من تاريخه، ويُرسِّمه رقيباً، متى كان الفنان رقيباً، ومتى تخلى الفنان عن إبداعه لصالح الرقيب؟.. فليرفضها أهل الفن جميعاً ويقاطعوها، وإلا سقطوا فى حبائل الرقابة، يومها لن يكون هناك إبداع ولكن تعليب معلب فى علب لا تسد جوعة الفن إلى الحرية، الفنان كالطائر فى السماء يغنى للنور، ويصمت تماماً إذا سجنته فى القفص لتتمتع بألوانه الزاهية وهو يبكى كسيراً حزيناً.
مثل هذه اللجنة التى وصفها الفنان الكبير عادل إمام بـ«الفاشية»، ويراها «فاضل» إسهاماً إيجابياً فى تطوير الدراما، إساءة لا تُغتفر لتاريخ تليد من حرية الإبداع، دوماً كانت الدولة فى جانب الفن فى مواجهة «طيور الظلام»، كيف تقف لجنة منسوبة إلى الدولة المصرية فى الظلام الدامس تنقب عن جملة فى حوار أو مشهد فى سيناريو أو فكرة منيرة، فكّرونى بأيام السينما النظيفة، المعقمة، سموها حينئذ «سينما العائلات».. مثل «كشرى العائلات» بدون تقلية.
ما هذا الذى نسمعه فى الجوار؟.. عجيب ما يجرى هذه الأيام، مَن ذا الذى يتفنن فى افتكاس العكوسات؟.. الدراما فى حاجة ماسة إلى الدعم الرسمى إنتاجاً، الدراما تترجى الله فى الحرية، الدراما أصلاً ليست فى خير حال، مش ناقصة رقابة، ثم هناك الرقابة على المصنفات الفنية، ما موقع لجنة «فاضل» من الإعراب، الأستاذ «فاضل» ينفى كونها رقابة، فماذا نسميها؟.. إن الرقابة تشابهت علينا.
خلصنا من «المحتسبين الجدد»، الذين يمطرون الفكر والفن والإبداع بالبلاغات العقورة، فنخبط فى حائط رقابى يبنيه الفنانون من حول أنفسهم، يحاصرون أنفسهم، بالذمة هل يتصور عقل أن فناناً بحجم عادل إمام ينتظر موافقة الرقيب على مشهد يؤديه بضمير الفنان؟!!!..
وهل يتوقع أن يذهب سيناريست بحجم الكبير وحيد حامد بمشروعه إلى «فاضل» ليوقع فى نهاية كل صفحة بعلامة صح بقلمه الأحمر، أو يضع خطوطاً حمراء تحت مفردة فى النص، وعلى الأستاذ «وحيد» أن يستبدلها من فوره؟!!!!.
بالله عليكم، ما هذا الذى يحدث فى مصر، مَن سنَّ هذه اللجنة لا يرعوى لمعنى حرية الإبداع، هل كان الأستاذ «فاضل» يقبلها على عمله؟.. أشك.
معذرة، لا أتفق مع الأستاذ «عادل» فى أنها- أى اللجنة- «كلام فارغ»، بل «كلام خطير»، هناك روح شريرة تتلبس الحالة المصرية تحت رهاب مزعوم من خطورة الحريات على النظام العام والسلم المجتمعى حتى لو كان المعروض فيلماً أو مسلسلاً أو أمسية ثقافية، ضميرياً لا يمكن التسامح مع هذا الحكى الغريب الذى باتت تلوكه الألسنة، ما هذا يا سادة الذى يحدث باسم الفضيلة؟.. الله يرحم أبلة فضيلة.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية