توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزمة نتنياهو أم أزمة إسرائيل؟

  مصر اليوم -

أزمة نتنياهو أم أزمة إسرائيل

بقلم: حسن أبوطالب

يعلمنا التاريخ دائماً أن هناك شخصيات تصنعه، ترتَّب لهم مكانة خاصة فى ظروف زمنية معينة، يمكنهم أن يعيدوا ترتيب الأمور وخلق مسارات جديدة لم تكن متصوَّرة من قبل. هؤلاء الأفراد صنفان، سيئ وجيد. والتقدير الأخير يتوقف على نهاية المسار ذاته ونتائجه. فما ترتب على أفكار وسياسات الزعيم النازى الألمانى هتلر من إعلاء القومية المتعصبة وغزو الآخرين والحروب اللامحدودة انتهى بكارثة كبرى على ألمانيا وعلى شعوب أوروبية عديدة، بينما آخر كمانديلا يُعد رمزاً للنضال ضد الفصل العنصرى والاستعلاء العرقى قاد بلاده نحو المساواة والديمقراطية.

فى إسرائيل الآن، والتى شهدت صعوداً غير مسبوق لنتنياهو، المُلقب بملك إسرائيل، والذى حقق فوزاً جيداً فى الانتخابات الإسرائيلية التى جرت فى أبريل الماضى، وكُلف بناء على 65 توصية قدمها أعضاء الكنيست لرئيس الدولة، بإعادة تشكيل الحكومة، لم يستطع بعدُ أن ينجح فى مهمته، رغم حصوله على مهلة ثانية تنتهى اليوم «الأربعاء». هذا الفشل الذريع لنتنياهو يعنى الكثير له شخصياً وللمجتمع الإسرائيلى ومؤسساته السياسية والقضائية. والأهم أنه يجسد أزمة مزدوجة لشخص نتنياهو وللكيان فى مرحلة تشهد تقلبات كبرى وتتغير فيها موازين القوى الفكرية والأيديولوجية والسياسية والحزبية لصالح التطرف والفساد والالتفاف على القانون وهدم المؤسسات، لا سيما المحكمة الدستورية العليا، التى طالما قدمتها إسرائيل للعالم الخارجى باعتبارها أكبر رموز النجاح لدولة تطبق القانون بأعلى درجات المهنية وتزدهر فيها الديمقراطية والحرية، مقارنة ببيئة إقليمية تسودها القيم السلطوية، والآن كل شىء انقلب إلى ضده.

فى أسباب فشل نتنياهو فى تشكيل حكومته الجديدة وعدم قدرته على كسب أغلبية بسيطة بـ61 نائباً على الأقل، توجد أربعة ملفات مهمة، أولها انصياع نتنياهو لمطالب الأحزاب الحريدية الدينية المتطرفة، وهما حزبا شاس ويهودت هتوراه، ولهما 16 مقعداً فى الكنيست، إضافة إلى ما يُعرف باتحاد أحزاب اليمين، وأهم مطالبهم الحصول على امتيازات مالية غير مسبوقة لمدارس تعليم التوراة التى يسيطرون عليها، والاستحواذ على وزارات رئيسية كالقضاء والتعليم والإسكان والمالية وشئون الاستيطان فى الأراضى المحتلة، وعدم تطبيق قانون التجنيد على طلاب مدارس التوراة، باعتبار أن هذا النوع من التعليم يعطى لصاحبه الحق فى التخفف من الالتزامات القانونية الأخرى، وأهمها التجنيد الإجبارى، والتطبيق الصارم لمبادئ دينية يهودية تمنع العمل أيام السبت، لا سيما بالنسبة للشركات الحكومية. وهى المطالب التى يراها اليمينيون العلمانيون ستجر الدولة إلى نموذج دينى يطيح بالديمقراطية وفقاً للتطبيق الإسرائيلى، وسيعزز التحايل على المؤسسات، ويضرب بالمساواة بين اليهود عرض الحائط.

والملف الثانى يتعلق بإصرار ليبرمان وحزب «إسرائيل بيتنا» على تطبيق قانون التجنيد وفقاً للصيغة التى قدمها إلى الكنيست فى ديسمبر الماضى كشرط مسبق لقبول المشاركة فى حكومة نتنياهو الجديدة، وهى الصيغة التى كانت السبب الأبرز فى اللجوء إلى الانتخابات المبكرة التى جرت فى أبريل الماضى، وتفرض التجنيد الإجبارى على طلاب المدارس الدينية كتطبيق للمساواة بين اليهود فى الدفاع عن الدولة، وهو الأمر الذى ترفضه الأحزاب الدينية. ورغم محاولات نتنياهو تقديم صيغة مرنة تُرضى الطرفين بشأن تطبيق القانون، فإن ليبرمان يعتقد أنه إن لم يحصل على تمرير القانون بدون استثناءات أو صيغ غامضة الآن، فلن يحصل عليه أبداً. ويطرح البديل فى انتخابات جديدة بدلاً من جمود الوضع الراهن.

الملف الثالث يتعلق برؤية نتنياهو الخاصة بإعادة صياغة العلاقة بين السلطات، والتى يعتبرها إصلاحات لاستعادة التوازن بين السلطة القضائية ممثلة فى المحكمة الدستورية وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وجوهرها تقييد صلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء حقها فى الرقابة على القوانين التى يشرعها الكنيست، باعتبار أن السلطة التشريعية تمثل ما يريده الشعب، وبالتالى فليس هناك من يحق له إلغاء إرادة الشعب. وتثير اقتراحات ملحق خاص للحكومة الجديدة بتعديل سلطات الجهاز القضائى وتقييدها، الكثير من الجدل والرفض من قبَل أحزاب معارضة يمينية مثل «كاحول لافان» أو «أزرق أبيض» بزعامة بيبى غانتس الذى حقق المركز الثانى فى الانتخابات الأخيرة بعد الليكود، ويشاركه فى الرفض حزب ميرتس اليسارى.

ورابعاً هناك ملف فساد نتنياهو والتحقيقات التى انتهت إلى توجيه اتهامات له بالفساد فى أربع قضايا، ولكن عملية تقديمه إلى المحاكمة تتطلب إجراءات قانونية لم تكتمل بعد. ووفقاً للقانون الإسرائيلى فإن توجيه الاتهامات للمسئول القيادى لا يعنى دفعه للاستقالة. ويعمل نتنياهو ومؤيدوه على إلغاء تلك الاتهامات من خلال تعديل قوانين الرقابة على عمل الحكومة، إضافة إلى ممارسات أخرى تهدف إلى تعطيل إجراءات المحاكمة. وهى محاولات مفضوحة ويتم الحديث عنها علناً من قبَل أعضاء بارزين فى الليكود، الأمر الذى يدفع أحزاباً يمينية إلى رفض الدخول فى حكومة ائتلافية مع نتنياهو، والاكتفاء بدور المعارضة القوية.

هذه الملفات الأربعة هى انعكاس لأزمة أكبر، تتعلق بتراكمات العقود الثلاثة الماضية، وتأثير تغلغل اليمين فى عمق المجتمع اليهودى، وسطوة الأحزاب الدينية المتطرفة وفساد القائمين عليها، وعلوّ قدراتها فى ابتزاز السياسيين المؤهلين لتقديم تنازلات على حساب مصالح الفئات الأخرى، وبما يحقق أغراضهم الشخصية، والضرب بعرض الحائط أبسط قواعد المساواة، وخنق الأصوات الناقدة ومحاصرة الحريات الإعلامية. يُضاف إلى ذلك الشعور الجارف بالقوة فى مواجهة غير اليهود، سواء فى داخل حدود الدولة أو خارجها. ولعل أصدق الأوصاف التى تعبر عن تلك الأزمة البنيوية فى الكيان الإسرائيلى ما سطره ميخائيل فيرشافسكى، أحد مؤسسى حركة «ماتسبين» المعادية للصهيونية، حيث حدد أزمة إسرائيل باعتبارها نتاج نظام كولونيالى مطعّم بالفاشية والتطهير العرقى. هذا المعنى يفضح الإرث الاستعمارى الاحتلالى والحكم السلطوى الذى ينكر حقوق الغير، ويتعالى على القانون، وهما اللذان يسيطران على فكر الساسة الإسرائيليين الأكثر تطرفاً ويمينية. وفى مناسبة أخرى وصف فيرشافسكى إسرائيل باعتبارها دولة قبر ينخر فيها الفساد، وينتشر فيها التحلل الأخلاقى والسياسى والمجتمعى، وتتجه إلى هلاكها المحتوم.

ووفقاً لبن كسبيت، أحد أشهر المعلقين الإسرائيليين، فإن نتنياهو يُعد المحفز الأكبر لتلك الأزمة البنيوية الخطيرة، فهو من قاد الانقلاب التاريخى فى إسرائيل فى العقدين الماضيين نحو الفساد والفردية ومحاصرة الإعلام وإضعاف وسائل القضاء وإخضاعه للسلطة، ولا أحد يمكنه الوقوف أمامه. وفى مثل هذه التحليلات تتجسد أزمة الزعامة الهادرة نحو السقوط الذريع. وحتى مع افتراض إجراء انتخابات جديدة وفوز نتنياهو مرة أخرى، فالنتيجة ستظل واحدة، إنها إسرائيل التى تأكل نفسها.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة نتنياهو أم أزمة إسرائيل أزمة نتنياهو أم أزمة إسرائيل



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon