توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
الأربعاء 19 شباط / فبراير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

لبنان الفريد بلا حكومة

  مصر اليوم -

لبنان الفريد بلا حكومة

بقلم : د. حسن أبوطالب

عوّدنا لبنان أن يكون بلداً عجيباً فريداً فى جموده وفى استقراره، وفى نشاطه وفى ديناميكيته، وفى أعرافه السياسية والدينية والمذهبية. لبنان الآن غارق فى رحلة البحث عن حكومة مُكلف بتشكيلها سعد الحريرى الذى يرأس حكومة تصريف الأعمال. وبعد ثلاثة أشهر من التكليف بات الأمر مفتوحاً لا سقف زمنياً له، فى حين أن سحب هذا التكليف ليس فى مقدور أحد. والنتيجة أن الوصول إلى محطة النهاية مرتبط، أولاً وأخيراً، بقدرة اللبنانيين على الصبر إلى حين ميلاد حكومة جديدة تُنهى الجمود السياسى الراهن، ومرتبط أيضاً بقدرة الحريرى نفسه على مواصلة الحوار مع الفرقاء اللبنانيين بدون استثناء وصولاً إلى نقاط توافق تبنى عليها الحكومة المنتظرة، ومرتبط ثالثاً بإعادة بعض القوى والتكتلات السياسية لحساباتها ولمطالبها وإبداء المرونة المناسبة التى تيسر تحقيق الهدف المنشود، أى حكومة توافق وطنى تسود فيها روح المسئولية الوطنية، بعيداً عن المذهبية والطائفية والمكاسب الجزئية السريعة.

يُذكر هنا أن الحريرى، وتيار المستقبل بوجه عام، يصر على أن تكون الحكومة المقبلة حكومة وطنية يتوافق الجميع على بيانها العام، وبما يسمح للبنان بأن يواجه الكم الهائل من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التى تنهش فى عظامه منذ زمن وتتطلب جهداً جماعياً بدون مزايدة من أحد وبدون مناكفة من أحد. مثل هذا الهدف العام يبدو عصياً على التحقيق، ليس لأسباب خارجية كما كان الحال فى مناسبات سابقة أحاطت بتشكيل الحكومات اللبنانية، سواء فى زمن الوجود العسكرى السورى أو فى الزمن التالى لهذا الوجود فيما بعد فبراير 2005 وإلى الآن، وكانت تستدعى دائماً تدخلات خارجية ووساطات وضغوطاً لعبت دوراً فى تسهيل تشكيل الحكومات، ولكنها فشلت فى جعل تلك الحكومات فاعلة وقادرة على العمل بسلاسة.

الأبعاد الخارجية لا يمكن إلغاء تأثيراتها بالكلية على الوضع اللبنانى ككل، ولكنها تبدو فى الحالة الراهنة أقل تأثيراً، مقارنة بالخلافات والمشكلات والعقبات التى ترتبط بطموحات ومطالب الفرقاء اللبنانيين أنفسهم. وفى هذا السياق تبرز الانقسامات المسيحية كواحدة من أهم عقبات تشكيل الحكومة المنتظرة، لا سيما بين «التيار الوطنى الحر» الذى أسسه الرئيس عون، ويرأسه ابن أخيه جبران باسيل الذى يشغل منصب وزير الخارجية، وبين القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وتدور الخلافات حول حصة كل منهما فى الحكومة من حيث عدد الوزراء ونوعية الوزارات. والطرفان سبق لهما، نهاية العام 2015، الاتفاق سرياً على تسهيل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد، فيما يُعرف بتفاهم معراب، على أن يتقاسم الطرفان حصة المسيحيين الوزارية، أى نصف مقاعد الحكومة لكل منهما، مع مراعاة الحصة المقررة للرئيس والمحددة بثلاثة وزراء. وهو التفاهم الذى بقى سرياً حتى تسربت بعض بنوده قبل ثلاثة أشهر، وبما عكس رغبة الطرفين فى احتكار الحصة الوزارية المسيحية بعيداً عن أحزاب وقوى أخرى مثل «الكتائب» و«تيار المردة». ويعكس تفاهم معراب رغبة الطرفين فى إقصاء المسيحيين الآخرين، وهو ضد الأعراف والتفاهمات التى يقوم عليها اتفاق الطائف، ومن هنا تجسد الانقسام المسيحى على نحو يعوق كل محاولات التوفيق التى يمكن أن تسهل تشكيل الحكومة. وبناء عليه، ووفقاً لنتائج الانتخابات التى حقق فيها كل من التيار الوطنى والقوات نتائج كبيرة مقارنة بالفرقاء المسيحيين الآخرين، تبلورت طموحات القوات فى الحصول على 5 حقائب وزارية تشتمل على حقيبة سيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة. أما التيار الحر فيطالب بحصة وزارية من 8 وزارات، إضافة إلى ثلاثة مناصب للرئيس، وبالتالى يضمن ما يُعرف بالثلث المعطل لعمل الحكومة، وهو ما يتناقض مع رؤية الرئيس الحريرى جملة وتفصيلاً. كما يطالب التيار الوطنى بأن يتم توزير القيادى الدرزى طلال أرسلان خصماً من الحصة المقررة عُرفاً للدروز، والتى تخصص للحزب الاشتراكى التقدمى برئاسة وليد جنبلاط، الذى يتمسك، بناء على نتائج الانتخابات، بأن يسمى الوزراء الدروز الثلاثة بدون قيد أو شرط.

وفى محاولة لإنهاء هذه العقدة، طرح الحريرى فكرة تقليص عدد الوزراء إلى 24 وزيراً بدلاً من ثلاثين، وبحيث يتم خصم نسب محدودة من كل فريق مسلم أو مسيحى، غير أن الفكرة لم تجد التجاوب المناسب، وبذلك استمر الوضع مأزوماً، ومرشحاً للاستمرار إلى أن تبدى كل الأطراف قدراً من المرونة أو التنازلات المحسوبة، الأمر الذى يبدو عسيراً فى ضوء تمسك كل فريق بمطالبه باعتبارها حقاً مشروعاً.

ارتباطاً بعقدة الأحجام والأوزان الحكومية التى يطالب بها كل طرف، يبرز الخلاف حول ما يُعرف بسياسة «النأى بالنفس» التى تمسكت بها حكومة لبنان رسمياً، واعتُبرت نظرياً سياسة تبعد البلاد رسمياً عن التورط فى الحرب السورية. ومن الناحية العملية لم تلتزم كل القوى اللبنانية بتلك السياسة، والأبرز هنا «حزب الله» الذى شارك فى القتال إلى جانب القوات السورية الحكومية فى مواجهة التنظيمات المسلحة والإرهابية، ويعتبر أن جهوده وتضحياته أسهمت فى نجاة لبنان من الوقوع فى مستنقع الإرهاب الداعشى والتطرف الدينى، ويعتبر نفسه شريكاً فى الانتصار الحاصل فى سوريا. ورغم قيامه بالدور الرئيسى فى تلك المواجهة فإن «التيار الوطنى الحر» كان بمثابة داعم سياسى لتلك المشاركة العسكرية. ويطرح الطرفان فكرة التطبيع مع الحكومة السورية، وبما يحقق لبنان عدة مصالح مهمة، من بينها تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، وتنشيط حركة تصدير المنتجات اللبنانية إلى الأردن والخليج عبر معبر نصيب الحدودى بين سوريا والأردن، وهى فكرة تجد معارضة كبرى من قبَل تيار المستقبل والحزب الاشتراكى التقدمى والقوات اللبنانية، باعتبار أن الوضع فى سوريا لم يصل بعد إلى محطة التسوية السياسية الشاملة التى تسمح بتطبيع العلاقات السورية اللبنانية. وعملياً يراعى هذا الموقف الضغوط الأمريكية التى تطالب بالحد من نفوذ «حزب الله» سياسياً وعسكرياً على المؤسسات اللبنانية الرسمية، ومراعاة الدور الأمريكى فى الأزمة السورية. الأمر الذى يثير تساؤلاً عن رؤية الحكومة اللبنانية المقبلة حال تشكلها حيال ما يُعرف بالاستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية وموقف القوات التابعة لحزب الله من سيطرة الدولة والجيش اللبنانى على تحركاتها. وتلك المعضلة ليست جديدة فى حد ذاتها، فقد طُرحت من قبل، ولم يصل فيها اللبنانيون إلى صيغة حاسمة، وظل المبدأ العام والمرن الذى يجمع بين الجيش والشعب والمقاومة فى مواجهة التحديات هو المعمول به، ويبدو أنه سيظل كذلك إلى زمن طويل آخر.

نقلًا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الفريد بلا حكومة لبنان الفريد بلا حكومة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon