توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المسجونون معرفيا: أزمة المثقفين فى مصر

  مصر اليوم -

المسجونون معرفيا أزمة المثقفين فى مصر

بقلم - نصر محمد عارف

 من طبيعة الفكر التغير، ومن خصائص التفكير التغيير، لان فكر الانسان تحدده معطيات الزمان والمكان والأحوال، فالفكر هو نتاج لعملية الفرك التى يقوم بها العقل، وهى عملية تفرك الفكرة مع خصائص الزمان، وتحولات المكان، وتغييرات أحوال البشر، لذلك يغير المفكرون أفكارهم، كلما تغيرت ظروف مجتمعاتهم، وتغير زمانهم، بل إن الأمم تغير أفكارها بتغير أحوالها، فى قرن واحد من الزمان تحولت اوروبا من الوضعية المنطقية إلى الحداثة والسلوكية ثم ما بعد الحداثة، ثم الدخول فى مرحلة التعددية الفلسفية أو ما يطلق تعدد المنظورات، كذلك تحولت روسيا من القيصرية الإقطاعية الى الشيوعية ثم ما بعد الشيوعية، وكذلك الصين ــ.الخ.

يحدث هذا فى كل بقاع الأرض، يتحول المفكرون والمثقفون من فكرة الى أخرى مع تحولات المجتمع وتغير ظروفه، وتشكلات القوى الدولية، وأوزانها النسبية، لان الفكرة ليست لها قدسية فى ذاتها، وانما هى وسيلة لهدف أعظم؛ قد يكون سعادة الإنسان أو تقدم المجتمع، أو رفعة أمة من الأمم وتحقق مجدها، واذا تم التمسك بالأفكار وتقديسها؛ هنا تتحول الأفكار الى أيديولوجية، أو عقيدة تشبه الدين، أو هى الدين نفسه، وهذا هو حالنا فى مصر خاصة، وكثير من الدول العربية والإسلامية، حيث يتم التمسك بالأفكار رغم أن الزمان قد تجاوزها، والمكان قد هجرها، والمجتمع لم يعد له علاقة بالأحوال التى كانت سائدة فيه عند ظهورها.

اذا نظرنا الى الطبقة المثقفة فى مجتمعاتنا نجد أن الغالب الأعم فيها مسجونون معرفيا فى زنازين أفكارهم، أو أفكار غيرهم التى تبنوها، غير قادرين على مغادرتها، أو نقدها، أو هجرها وتجاوزها دون نقد ــ قليلون جدا الذين تحولوا عن أفكارهم، أو جددوا ذواتهم فكريا، قد لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة فى دولة مثل مصر على مدى قرن كامل من الزمان، والباقى يعيشون حياة كاملة حبيسى منظومة فكرية، أو ركام أفكار لا يمثل نظما ولا منظومة؛ تحول فى عقولهم الى عقيدة، ثم حدث نوع من الاندماج بين ذواتهم وبين أفكارهم، وصار التنازل عن الأفكار أو تجاوزها يمثل تنازلا عن الذات، والتخلى عن الكرامة الشخصية.

أى إنسان عاقل يستحيل أن يقبل تبنى بشر تعلموا فى مختلف جامعات العالم، وتخصصوا فى العلوم بكل أنواعها لأفكار مدرس الخط العربى التى أنتجها وهو لم يصل للخامسة والعشرين من العمر، ويتمسكون بها بعد قرن تقريبا من صدور هذه الأفكار التى تم إنتاجها فى ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية ودولية تختلف بنسبة مائة فى المائة عن الواقع الحالى الذى نعيشه اليوم، خصوصاً ان هذه الافكار لم تنشئ مدرسة فكرية، وإنما تنشىء شخصا واحدا، وبعض الشراح الذين يمثلون ردة عن أفكاره أو انحرافا عن الواقع والتاريخ، يستحيل أن يقبل عاقل أن هناك جماعة اسمها الإخوان تعيش عالة على فكر شاب لم ينضج، ولم يكمل تعليمه العالى مهما ألقيت عليه الألقاب والصفات.

يستحيل أن يقبل عاقل أن هناك مفكرين فى مصر مازالوا حبيسى الافكار الاشتراكية التى ظهرت فى ثلاثينيات القرن الماضي، ومازالوا يرددون كلمات تروتسكي، ولينين وهنرى كوهين وغيرهم وكأنها صادرة اليوم، ويخوضون نفس المعارك التاريخية ضد التفكير الديني، والرجعية والظلامية ــ الخ، والعالم من حولهم تغير عدة مرات، بحيث صار هناك أحفاد لذلك الفكر الاشتراكى فى روسيا والصين وامريكا الجنوبية، ولكننا فى العالم العربى لم يزل اليسار عندنا كما كان فى ثلاثينيات القرن الماضى بنفس الأطروحات والأفكار والشعارات.

مستحيل أن يقبل عاقل أن هناك من لم يزل يحلم بقومية بسمارك فى العالم العربى، ويؤمن بالدولة العرقية أو القومية فى عصر تجاوزت فيه المصالح الاقتصادية كل الروابط والعلاقات الأولية كالعرق واللغة والدين، ولكننا فى العالم العربى لم نزل ننتج فكرا، يعيد تدوير أفكار أوروبا فى القرن التاسع عشر.

وفوق كل ذلك وقبل كل ذلك هناك من يؤمن أن الافكار التى ظهرت فى قرون المسلمين الأولى هى التى يجب أن تحكم واقعنا، وأننا لابد أن نحتكم لمفكرين ماتوا منذ ألف سنة تقريبا، وأن أفكارنا لابد أن نخضعها لموازينهم، فإن وافقت أفكارهم كانت صحيحة، وإلا فهى انحراف فى الدين والعقيدة، وهناك أيضا من ظل محبوسا فى صراع سياسى بين بعض الصحابة كان فيه المصيب وكان فيه غير ذلك، ومازال يطالب بحقوق من ظلم منذ ألف واربعمائة عام، وكان ذلك الصراع بالأمس.

حالة المسجونين معرفياً أصبحت طاغية فى واقعنا المصرى والعربي، بحيث أصبحت الطبقة المثقفة عائقاً أمام حدوث أى تغيير اجتماعى حقيقي؛ لأنها تعيد إنتاج التاريخ البعيد والقريب بكل صوره، وبكل أمراضه، وبكل مآسيه ــ المسجونون معرفيا يتمسكون بأفكارهم وآرائهم بغض النظر عن تكذيب الواقع لها، فهم يكذبون الواقع ويتجاهلون الحقائق من أجل تصديق أفكارهم، وإثبات صحتها، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقيقة.


نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسجونون معرفيا أزمة المثقفين فى مصر المسجونون معرفيا أزمة المثقفين فى مصر



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon