توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد الغطاس فى مصر

  مصر اليوم -

عيد الغطاس فى مصر

بقلم - القمص أنجيلوس جرجس

 أحتفل الأقباط الخميس الماضى بعيد يسمى عيد الغطاس؛ وهو عيد مسيحى له سمات مصرية خاصة. ويقول الرحالة على بن الحسن فى كتاب «مروج الذهب» وهو رحالة من بغداد جاء إلى مصر عام 957م وقد صادف مجيئه فى عيد الغطاس فوصف هذا اليوم وقال: «يخرج الناس إلى النيل، وقد وجد أكثر من ألف مشعل وشموع وفوانيس، وآلاف المسيحيين والمسلمين يخرجون من بيوتهم فى تلك الليلة ويأتون بالمشرب والملبس ويعزفون الموسيقى ويغنون وهى أحسن ليلة فى مصر، لا تغلق الأبواب ولا الدروب ويغطسون فى النيل».

ويصف أيضاً مؤرخ أخر وهو ابن اياس (1448 1523) ويقول عن عيد الغطاس فى مصر: «أن نهر النيل يمتلئ بالمراكب والزوارق ويجتمع بها السواد الأعظم من المسلمين والنصاري، فإذا دخل الليل تتزين المراكب بالقناديل وتشعل فيها الشموع، وكذلك على جانب الشواطئ يشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس وينزل رؤساء القبط فى المراكب، ولا يغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل النصارى مع المسلمين سوياً، ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة».

ويقول المسعودى أيضاً الذى عاصر الدولة الأخشيدية فى مصر: «ليلة الغطاس فى مصر لها شأن عظيم، فالمصريون (مسلمين وأقباطا) يذهبون إلى النيل ويطوفون بالمراكب والمشاعل والشموع، ويجلسون على الشطوط يأكلون ويشربون ويتسامرون، وتكون أحلى ليلة فى مصر ويغطس أغلب الأقباط فى النيل إذ يزعمون أنه يُطهر من أى داء».

وإن كان عيد الغطاس فى المسيحية هو عيد نزول السيد المسيح فى نهر الأردن ليعتمد من يوحنا المعمدان؛ وهذه الطريقة قد سلمها لتلاميذه ورسله أن يكون بهذا الشخص مسيحياً أن يعتمد فى الماء، ولهذا يُعيد كل مسيحيى العالم بعيد الغطاس. إلا أن فى مصر الغطاس له طقوس أخرى ومذاق آخر وهذا لأن النيل فى مصر له تاريخ حضارى وله مشاعر خاصة فى نفوس المصريين وفى عاداتهم وتقاليدهم. فالمصريون أطلقوا على النيل النهر المقدس، وفى الكتاب المقدس يقول سفر التكوين إنه أحد الأنهار التى تسقى جنة عدن (تكوين 1: 13).

وفى نظريات نشأة الكون عند الفراعنة فى نظرية هرموبوليس يقول إن الإله نون رب المياه الأزلية كان هو بداية كل شيء وحين انحسرت المياه ظهر تل الأبدية وظهرت الكائنات. وفى سفر التكوين يقول أيضاً: «فى البدء خلق اللـه السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح اللـه يرف على وجه المياه» (تكوين 1: 1، 2).

والإله نون فى اعتقاد المصريين هو مصدر مياه النيل لذلك كان النيل مقدسا فى معتقدات أجدادنا وإلى الآن فنحن ننظر إلى النيل على أنه شريان الحياة حتى أن هيرودوت يقول: «مصر هبة النيل». وحقيقة الحضارة المصرية ارتبطت بالنيل حتى أن القدماء أطلقوا عليه «اترو-عا» أى النهر العظيم ومنها جاءت كلمة ترعة أى فرع من فروعه.

وكان الإله آمون يقول على لسان أحد كهنته أن من يشرب من النيل فهو مصري، وإلى الآن فى التراث الشعبى نقول من يشرب من النيل لابد أن يعود إليه مرة أخري. وارتبط النيل بكل ما هو مقدس حتى أن المصريين اعتقدوا أن أوزريس وهو إله الأبدية والخلود مرتبط بالنيل ومن كان يقف أمامه فى الحساب الأخير لابد أن يؤكد أنه لم يلوث النيل ولم يحبسه عن الجريان.

ولكن كان الإله الأشهر للنيل هو حابى وهو يمثل روح النيل وجوهره. وفى الحقيقة وحتى لا يفهم أحد أن كل هذه الآلهة كانت شركا باللـه فالقدماء كانوا يعبدون الإله الواحد وكلما وجدوا شيئا فى الحياة له قوة الحياة التى تخرج من اللـه يعطونه إحدى صفات اللـه لا كعبادة خاصة ولكنها إحدى صور عمل اللـه الواحد المتعددة الأوجه حتى أنهم قالوا عن حابى إله النيل: »حابى أبو الآلهة الذى يغذى ويطعم ويجلب الخير لمصر كلها والذى يهب كل فرد الحياة... أنك فريد أنت الذى خلقت نفسك من نفسك دون أن يعرف مخلوق جوهرك«.

وكان القدماء يحتفلون بيوم وفاء النيل وهو عيد مهم جداً فيه طقوس دينية وأناشيد وألحان، ثم يصنعون الكعك وهى حلوى مصرية مستديرة علامة اللانهائية وفى داخلها نقوش أشعة الشمس. وانظر معى كيف كان القدماء لديهم هذه الحكمة حتى فى صنع كعك العيد أنه يمثل الشمس وهذا هو سلوك الفرح المرتبط بالأبدية. ويقدمون الكعك والفواكه ويصنعون تميمة من خشب تمثل عروسا يقدمونها للنيل، وللأسف اختلط على البعض هذه الفكرة وروجوا وأشاعوا أن القدماء كانوا يقدمون عروسا حقيقية بشرية للنيل، وهذا خطأ فما كانوا يلقونه فى النيل عروس تميمة خشبية ثم ينزلون بالمراكب يغنون ويرقصون طول النهار والليل فى هذا العيد.

وحين دخلت المسيحية مصر أبطلت العبادات المصرية القديمة ولكن ظل المصريون على عاداتهم الاجتماعية التى احترمتها المسيحية فكان عيد الغطاس هو يوم الاحتفال بالنيل لأن فيه نزل السيد المسيح إلى النهر فاعتبر المصريون أن هذا هو اليوم الذى يعيدون فيه بنفس الطريقة القديمة. فكان البابا والأساقفة والكهنة والشعب يذهبون فى ليلة الغطاس على النيل ويقدمون صلوات القداس وبعدها يبدأ الشعب الاحتفال الموروث من القدماء فينزلون إلى النيل ويغنون ويأكلون ويفرحون إلى الصباح.

وقد عشنا آلاف السنين ونهرنا العظيم يعولنا ويعطينا الخير. وإن كنا فى هذه الأيام نعيش إحدى مشكلات النيل مع إثيوبيا إلا أننا نثق تماماً أن اللـه الذى أهدى لنا هذا النيل العظيم سيظل يحفظه لنا شرياناً للحياة. وكل عام وأنتم بخير.

نقلا عن الاهرام القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد الغطاس فى مصر عيد الغطاس فى مصر



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon