توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون التأمين الصحى إلى أين يمضى

  مصر اليوم -

قانون التأمين الصحى إلى أين يمضى

بقلم - طارق عبد العال

لم يحظ مشروع قانون فى مصر بمثل ما حظى به قانون التأمين الصحى من أوجه خلاف أو مناطق اتفاق، فقد ثارت حوله الأقاويل ما بين مؤيد ومعارض أو ما بين بين، وأعتقد أن منطقة الخلاف النقاشى بين وجهات النظر المختلفة حول هذا القانون هى أولى حسناته، حيث لم نسمع منذ زمن بعيد عن نقاشات مجتمعية وأطروحات متخصصين حول مشروع قانون من القوانين، وبالتالى يجب أن يكون هذا الدرب هو السبيل الحقيقية نحو تحقيق أى قانون قبل أن يتم تناوله داخل أروقة مجلس النواب.

ومن زاوية حقوقية يعد قانون التأمين الصحى من القوانين التى تنتمى إلى منطقة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تلك التى يدخل بين ضفافها الحق فى الصحة والدواء، ومما هو جدير بالذكر أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى قالبها الأغلب لم يأتى النص عليها فى اتفاقيات حقوق الإنسان المعنية بهذا الإطار بصيغة الإلزام، وتأتى غالبية النصوص بصيغ السعى وكفالة تلك الحقوق، وأهم تلك المواثيق هو العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وقد جاءت المادة الثانية عشرة منه بالاعتراف بأن لكل شخص الحق فى «التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية»، والحق فى الصحة هو حق شامل لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية الملائمة فى الوقت المناسب ولكن أيضا إلى المحددات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحى الملائمة وإمدادات كافية من المواد الغذائية الآمنة والتغذية والسكن والظروف الصحية والمهنية البيئية، وقد جاء النص فى الفقرة الثانية من ذات المادة على أن تسعى الدول الأعضاء باتخاذ خطوات حقيقية تهدف إلى تحقيق تنمية فى صحة مواطنيها، وكفالة حقهم فى تلقى العلاج والدواء.
وعلى هذا الدرب قد سار الدستور المصرى، فيكفى مراجعة نص المادة الثامنة عشرة من الدستور المصرى الأخير، فنجد أنه جاء أيضا بنفس صيغة الكفالة، بما يعنى السعى نحو التحقيق بقوله: «لكل مواطن الحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب»، حتى ولو تحدثنا عن النص الإلزامى بزيادة النسبة المخصصة فى موازنة الدولة للصحة أو التعليم، فإن ذلك لن يحقق بين عشية وضحاها التنمية الصحية الشاملة والرعاية المتكاملة.

***

ومن هذا المدخل نستطيع أن نتحدث عن قانون التأمين الصحى الأخير، والذى أقره مجلس النواب المصرى، فى البداية لابد أن نتفق على أن ذلك يعد أول قانون ينظم التأمين الصحى داخل مصر، وهو الأمر الذى يعنى حداثة التجربة، وهو ما يؤكد استحالة تحقيق العدالة الاجتماعية بنسبة مائة فى المائة، وذلك يعود فى مقامه الرئيس إلى أن الكفاح البشرى لم يتوقف عند حد معين أو نقطة فاصلة تعد هى الهدف الختامى لنضاله وكفاحه نحو تحقيق حقوقه، وهذا ما مؤداه أن خطوة قانون التأمين الصحى يجب أن تمر، ويأتى بعدها نقاشات جديدة وأطروحات فكرية أكثر تقدما على النقطة الأولى هادفة إلى تحقيق المزيد من الرخاء والرعاية الصحية للمواطنين، ومن ثم يشكل ذلك إقرارا بأن هذا القانون بوصفه عمل بشرى نتج عن جهد كبير للمجموعة التى عملت عليه، لن يحقق كل الثمار المرجوة للإنسان، وخصوصا ونحن فى ظل ظروف تتغول فيها الرأسمالية على كل شىء حتى على القطاع الصحى، ونحن فى المجتمع المصرى لنا تجربة سابقة بخصوص علاج الفيروس الكبدى «سى».

أما إذا تحدثنا عن قانون التأمين الصحى المستحدث كتشريع، فلابد أن نقر أن به ما له وبه ما عليه، ولن تكون التجربة الأولى بمثابة النموذج المحتذى، ولكن يكفى أن نعتمد على التجريب، وخصوصا أن ذلك القانون لن يتم تطبيقه مرة واحدة، حيث إن هناك مدى زمنيا للتطبيق الكلى لهذا القانون مدته خمسة عشر عاما، وإن كنت أرى أن هذه المدة على طولها سوف تكون فترة كافية جدا لتلافى أخطاء التطبيق العملى لهذا القانون، حتى وإن كان البعض ينظر إليها بشكل تمييزى بين الفئات التى يتم التطبيق فيها أولا وتلك التى ستلحق بها أخيرا، فلو أن القائمين على أمر الحق فى الصحة والعلاج قد قاموا برصد ما يستجد من مثالب وعيوب يرونها خلال فترات التنفيذ، فإن ذلك سيكون أمرا إيجابيا لتطوير فكرة القانون وتعديل نصوصه، ومن أهم ما تم لفت الانتباه إليه هو زيادة أعباء المواطنين من خلال الاشتراكات الواجب سدادها للدخول تحت مظلة التأمين الصحى فى ظل تردى الأحوال المعيشية واتساع نطاق الفقر بين أروقة المجتمع، لكن لو فعليا تم كفالة التأمين شاملا فسوف تكون قيمة الاشتراك معادلا بسيطا فى تحقيق صحة الأسرة بكاملها، ومن الممكن أن يتم إعادة النظر فى قيمة الاشتراك كلما تحسنت الأحوال الاقتصادية بشكل عام، إلى أن تستطيع الدولة أن تتحمل القيمة كاملة عن عموم الشعب، إذا ما تحسنت الظروف الاقتصادية للبلاد بشكل عام، وإذا ما أعيد النظر حينها فى النظام الضريبى أسوة بالدول التى تمول الخدمات الصحية عن طريق زيادة العبء الضريبى، ويجب أيضا أن تأتى اللائحة التنفيذية للقانون بما يشمل ما يعوض غير القادرين على سداد نسبهم فى الاشتراك تحت المظلة التأمينية الصحية، وإن كنت أزعم أن على أرباب الأعمال أن يساهموا بشكل أفضل حتى من المنصوص عليه فى ذلك القانون فى تحمل نسب العاملين، وأنه يجب على أصحاب رءوس الأموال تحمل دورهم الاجتماعى بالمساهمة فى نسب المواطنين أو بزيادة مدفوعاتهم نحو تطبيق ذلك القانون، وليس الاعتراض على النسب المقررة عليهم، وهو الأمر الذى يصدق على ما تم إقراره على العيادات الخاصة والصيدليات.

كلمة خاتمة: لا يقف الطموح البشرى عند حد معين، أو نقطة محددة تعد بذاتها هى نهاية كفاح ونضال الكثيرين نحو تحقيق العدالة أو الرخاء للمجتمع، إنما دائما هناك المزيد من السعى، والمزيد من الجهد نحو تحقيق مستويات أفضل وتطوير الخدمات إلى أعلى، وهذه الأمور ليس لها سقف تقف عنده، ولكنها دائما وأبدا تتطور تماشيا مع الاحتياجات المجتمعية، هادفة فى كل وقت إلى تحقيق مزيد من النمو ومزيد من الرفاهية، وبالتالى لا يعد قانون التأمين الصحى بكل ما به من إيجابيات وسلبيات، هو المتمم لطموح العاملين فى هذا المجال، وأن علينا أن نرصد منذ اللحظات الأولى لهذه التجربة ما بها من سلبيات أو ما يظهر من عيوب، حتى نسعى إلى تغيير أو تحديث ذلك القانون، فلا يوجد نص قانونى مقدس لا يمكن الوقوف عنده، فالكل يعلم أن الدستور نفسه ليس له قداسة أبدية، وإنما تعد هذه النصوص متناسبة نوعا ما مع ظروف المجتمع فى وقت من الأوقات، وقد تحتاج إلى تعديل أو تغيير كلى فى أوقات مقبلة تتغير فيها الظروف المعيشية أو الحياتية سواء للدولة أو للأفراد.

نقلا عن الشروق القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون التأمين الصحى إلى أين يمضى قانون التأمين الصحى إلى أين يمضى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon