الأستاذان فاروق جويدة ووحيد حامد كتبا مؤخراً عن الفوضى الإعلامية الحادثة حاليًا، وشرحا فى وضوح أسباب ضعف المنتج الإعلامى وأرجعا الأمر إلى أن القائمين عليه غير متخصصين، ولا يهمهم سوى السيطرة، وإغلاق المجال أمام كل الأصوات الجانبية التى لا تمثلهم حتى لو كانت وطنية ومخلصة. سبق أن نبهت إلى نفس القضية ولكن بلا استجابة وسبقنى وتبعنى آخرون، أعظم شأنًا وأكثر قربًا من الدائرة العليا، ولكنها تأتى هذه المرة من صديقين بمكانة عظيمة جداً.
لابد أن يتدخل عاقل وبسرعة لإعادة تصويب المسار. كان هناك مستشارون ولجان يعملون إلى جوار وزير الإعلام. كان لدينا اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والمجالس المتخصصة، وأحزاب ومراكز بحثية تقدم اقتراحاتها. الآن، الساحة خاوية تمامًا.
وأنا هنا أدعوكم إلى مراجعة ما آلت اليه الامور رغمًا عن المليارات التى انفقت على فضائيات بعينها، إضافة إلى إغلاق قنوات اخرى رُأى إنها غير وطنية لا تستحق الحياة حاليًا. وركزوا فى هذا المشهد: يوم الثلاثاء الماضى، كان العالم فى انتظار رواية الرئيس التركى رجب طيب أردوغان حول وفاة الصحفى السعودى جمال خاشقجى. الكل كان يعرف توقيت خطابه بدقة. الوكالات والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعى بادرت فى تقديم معلومات استباقية عن الحدث. أما نحن فلم نهتم بهذا التقديم، ولم تهتم بالطبع فضائياتنا- حتى الإخبارية منها- بنقل خطاب أردوغان على الهواء. لدينا على حد علمى- فضائيتان إخباريتان متخصصتان هما «النيل للأخبار» و«اكسترا نيوز» انشغلتا بقضايا محلية لا قيمة لها.
الطريف أن أبرز الفضائيات السعودية وهى «العربية» أذاعت الخطاب كاملاً على الهواء، بل قامت بتحليله. وجعلت من خطابه خبراً رئيسيًا فى نشرات الأخبار على مدار اليوم. أردوغان تاجر تركى ماهر، أعطى فى خطابه قماشات إعلامية تناسب جميع الصنايعية. الكل استخدم أجزاءً من خطابه بما يتماشى مع مواقفه وأفكاره، إلا القائمين على الإعلام المصرى. سألت مسؤولاً فى إحدى الفضائيات، وأعرف جيداً مهنيته وقدرته على معالجة الأمور بحنكة وبعيداً عن الصوت العالى، فقال لى: «إنها التعليمات، لا تقتربوا من أردوغان»!
وحتى لا أكون متجنيًا على الفضائيات وحدها وأبدو متحيزاً للصحافة أكثر لأننى صحفى فى الأساس، فأقول، إننى اكتشفت أن الصحافة السعودية، أكثر حيادية ومهنية من الصحافة المصرية فى تغطية حادث خاشقجى، رغم أن المتورط فى عملية القتل قد يكون فى مكان عالٍ فى قيادة المملكة. كان هناك دائمًا تقرير رئيسى مميز فى الصفحة الأولى فى صحفهم. من الطبيعى أن يتحيزوا إلى وجهة النظر الرسمية، لكنهم لم يتجاهلوا الخبر أو تتم مداراته فى الصفحات الداخلية مثلما كانت تفعل صحفنا، قبل أن يفرض الخبر نفسه.
أمر أخير فى هذه القضية، هو أننى تابعت أداء عدد من الزملاء الإعلاميين، وما قدموه من سيناريوهات حول الحادث، تأكد لنا ولهم أنها غير سليمة تمامًا.
وأقول لهم: نقطة نظام، فأنتم قد تُحسبون على القيادة العليا المصرية، بهذه المواقف. كان البيان الرسمى المصرى الصادر من وزارة الخارجية بمساندة المملكة ودعمها، ثم زيارة وزير الخارجية حاملاً رسالة من الرئيس السيسى إلى خادم الحرمين الشريفين موقفًا رسميًا داعمًا. نتفهم دوافعه ومبرراته فى ظل العلاقة الوثيقة والروابط الحالية بين العاصمتين.
لكن ما هى دوافع زملاء إعلاميين- بعضهم مقرب من «الدولة» ليقدم سيناريوهات للحادث لم يجرؤ على تقديمها الإعلام السعودى نفسه.
«حابى» وأسبوع المياه
تذكرت عيد «وفاء النيل» وأنا فى وسط ندوة شيقة فى نهاية أسبوع القاهرة للمياه. عدد من الوزراء الحاليين والسابقين على رأسهم وزير الرى والموارد المائية الدكتور محمد عبدالعاطى. ومعلومات وأسرار وحقائق رائعة من المتحدثين الذين كان أبرزهم الدكتور مفيد شهاب. التنظيم رائع من الدكتور حسن راتب والصديق العالم المخضرم الدكتور إسماعيل عبدالجليل.
أخذنى حسن التنظيم وثراء الرعاة على بانرات الاحتفال، والاهتمام الإعلامى بالاحتفالية، إلى تقديم اقتراح محدد لذوى الأمر يتعلق بإعادة «وفاء النيل» بأسلوب حضارى وعملى. المصريون القدماء جعلوا للنيل إلهًا. «حابى» ارتبط بالاحتفال بالفيضان، وتم تداول قصة عروس النيل والتى قيل إنه كان يتم إلقاؤها فى هذه المناسبة.
حافظ المصريون على الاحتفال باليوم ولكنهم غيروا الطقوس التى يمارسونها. اليوم نحن نهمل النيل تمامًا. لم يبق لنا إلا ذكريات وأشعار نحفظها لنلقيها فى المناسبات أو نكتبها فوق أوراق الامتحانات.
جميع البعثات التى استكشفت النيل ومنابعه فى عمق أفريقيا لم تكن مصرية، إلا عمليات محدودة جداً. الأسبوع الماضى، احتفل المركز القومى للترجمة وسفارة النرويج فى القاهرة بصدور ترجمة كتاب «النيل فى العصر البريطانى» لمؤلفه النرويجى «تريا تفيدت» المتخصص فى دراسات نهر النيل. أى أن الدراسة عن جهود بريطانيا والمؤلف نرويجى. ماذا قدمنا نحن للنيل.
كان أسبوع النيل مفيداً وجامعًا. أعجبنى فيه تواجد وزراء الرى السابقين جنبًا إلى جنب مع الوزير الحالى فى معظم جلسات المؤتمر. وهو منظر حضارى، نبهنى إليه الصديق الدكتور خالد وصيف على صفحته. لكننا نحتاج إلى إعادة إحياء «وفاء النيل» بشكل جيد، جهد فيه خيال وإبداع. أسلوب يصل إلى المثقفين وطلاب المدارس على السواء. نحتاج إلى جهد جماعى يقربنا من هذا النيل العظيم صاحب الفضل علينا. وننبه فيه كل من يلوث النهر ويهينه أن هذا خطأ جسيم. أنا مستعد للمساهمة فى هذا الجهد!.
«ونس» طارق عباس
ذهبت إلى حفل فرقة ونس الأسبوع الماضى، على مسرح معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس بدعوة كريمة من الدكتور طارق عباس، مؤسس الفرقة، ذهبت مجاملة للدكتور طارق. هو كاتب زميل فى «المصرى اليوم». أتابع مقالاته وأستفيد منها، وهو أيضًا أستاذ جامعى ناجح وصاحب تجربة تحدٍ ممتدة على طريقة العظماء طه حسين وسيد مكاوى. فى نهاية العرض الموسيقى الرائع الذى استغرق أكثر من ساعتين، حرصت على أن أبدأ كلماتى بالاعتذار له قبل أن أهنيه على الحفل. الفرقة والأداء وموهبته هو وابنتاه منال وحنين وباقى أعضاء «ونس» اعتذار صادق. بأننى كنت أجهله كموسيقار رائع بألحان شرقية عميقة، وعازف عود لا يقل عن عظماء العازفين.
تركت أذنى وجميع جوارحى تزيل بهذه الموسيقى شوارد الألحان والأصوات النشاز، التى تفرض نفسها علينا. خرجت من الحفل وفى ذهنى أكثر من فكرة أقدمها للمسؤولين عن الفضائيات والثقافة. لابد أن يعود أكثر من برنامج على شاكلة «الموسيقى العربية» التى كانت تقدمه الراحلة رتيبة الحنفى. مطلوب عودة النشاط لفرق الموسيقى العربية التى أعرف حاليا أن أوضاعها صعبة، رغم أن جميع حفلاتها تكون كاملة العدد. لابد أن تخرج من «الأوبرا» إلى الشارع، وتعود إلى الجماهير الواسعة. مطلوب عودة الحياة لألحان جديدة بأسلوب شرقى أصيل.
نسيت أن أقول إن فرقة ونس فيها عازفين من «متحدى الإعاقة» وعدد من المطربين الشباب الأجانب، قدموا فى نهاية الحفل أوبريت وطنيا من ألحان طارق عباس بعنوان «بلدى يا مصر» شارك فيه ثلاثة من الشباب الأجانب. أراه ومعى صحفيون ونقاد حضروا الحفل أنه كان أرقى من معظم الأغانى الوطنية التى سمعتها مؤخراً.. بل أراه مؤهلاً لكى يسمعه الرئيس وضيوفه من شباب العالم فى «منتدى شباب العالم» بشرم الشيخ.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع