المخلوعون الستة
تأملت الصورة المنتشرة لستة من الرؤساء العرب السابقين، والذين يجمعهم مصير واحد وهو «الخلع»، بعد أن ثارت شعوبهم عليهم. الصورة لا أعرف على وجه اليقين إن كانت أصلية تم التقاطها على هامش قمة عربية عقدت قبل 2011، أم أنها «فوتو شوب. الصورة تجمع كلًا من: البشير، بوتفليقة، القذافى، زين العابدين بن على، مبارك، على عبدالله صالح.
اثنان من الستة انتهت حياتهما بالقتل والسحل، وهما القذافى وعلى عبدالله صالح. الرئيس التونسى بن على، الوحيد من بين الستة الذي يعيش في المنفى خارج بلده، وبالتحديد في السعودية. ظروف بوتفليقة المرضية قد تترك أثرها على تحديد مصيره. مكانه المستشفى سواء في داخل بلاده أم خارجها. الوحيد الذي يعيش حياة طبيعية من بين هؤلاء المخلوعين هو الرئيس الأسبق حسنى مبارك. لا محاكمات ولا دعاوى قضائية بحقه حاليا. كان الأقل دموية بينهم، لم يفرط في أرضه، أو يسمح بتقسيم بلده مثل البشير، ولم يناور مع المتطرفين وإيران والولايات المتحدة والخليج، مثل على عبدالله صالح أو كما أسماه صديقى إبراهيم العشماوى، في كتابه القيم «الساحر والأفاعى» لكن كل الأفاعى اتفقت على لدغه.
الستة يجمعهم آفة واحدة، وهى متلازمة «حب السلطة» أو «الالتصاق بالكرسى». كلهم، وغيرهم من الحكام العرب يصيبهم هذا المرض اللعين بأعراضه العجيبة، رغم أن بعضهم جاء لموقعه برضا شعبى، لكن تقلصت شعبيتهم بالتدريج، فمنهم من لجأ للقمع والقتل، ومنهم من لجأ لتزوير إرادة الجماهير. لدينا في المنطقة «زعيم ملهم» وهو صدام حسين، أمر بأن تكون نتائج الاستفتاء عليه 100%، وهى نسبة لم يحصل عليها الله سبحانه وتعالى على الأرض «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». والغريب أنه بعد سنوات معدودة، لم يجد من يؤويه من هذه الحشود الموحدة به، من مطاردات القوات الأمريكية، فكان مصيره التخفى في حفرة لشهور طويلة. كان مصير القذافى أكثر بؤسا، حيث هرب من شعبه الثائر، إلى شبكات المجارى، وقتل إلى جوارها.
الحل العملى هو تداول السلطة.
لن نخترع نظاما جديدا. العقل الجمعى في الغرب ومن بعد معاناة طويلة، مع أنظمة وحكام مثل هؤلاء، توصل إلى أن الديمقراطية هي الحل، مع احترام الدساتير التي تنص على ذلك. هي بديهيات لعلاج أزمتنا مع الديكتاتورية بتقلب أشكالها. حتى لو انتخبنا رئيسا ضعيفا أو لديه أعراض من المرض النفسى، مثل ترامب، فإن أدوات الديمقراطية، في البرلمان والقضاء والإعلام ستروضه. وإن فشلت فإن الشعب عليه أن يقول كلمته بألا ينتخبه مجددا.
«الحدود»
أدور كثيرًا فوق أوراق الكتب والصحف والمواقع الإخبارية، أو على أرض الواقع، حول حدود مصر الأربعة، في كهوف الصحراء والدروب والواحات. أنتجت عدة موضوعات عن حدودنا الأربعة. وكنت أحرص دائمًا خلال تناولى لأى موضوع حدودى أن أعود للتاريخ وإلى خرائطنا القديمة. وهنا أنقل اليكم سطورًا منفصلة وسريعة مما قرأت عن حدودنا المقدسة:
■حدودنا الشمالية طبيعية، حيث يفصلنا البحر الأبيض المتوسط عن أوروبا، ولم نتعرض إلى أي خلافات مع الدول المتشاطئة على نفس البحر، بل إن ترسيم الحدود مؤخراً أفادنا في اكتشاف عدد من حقول الغاز هي الأكبر عالميًا.
■ لم أقرأ بحثًا ولا معلومة مقنعة، تغير عقيدتى بأن خط الحدود الجنوبية مغاير لخط عرض 22. كل الدعاوى السودانية حول حلايب وشلاتين باطلة تمامًا.
■ ترسيم حدودنا الغربية لم يكن مع ليبيا، بل تم في عهد الملك فؤاد بين الحكومة المصرية وإيطاليا، التي كانت تحتل ليبيا في ذلك الوقت. ولعب أحمد حسنين باشا، الرحالة والمقرب من الملك ومن الإنجليز في ذلك الوقت، دورا في هذا الترسيم. وتنازلت مصر عن واحة جغبوب- الغنية بالبترول فيما بعد- وقرأت أن الملك فؤاد تنازل عن الواحة لوجود قبر الإمام السنوسى بها، إكرامًا للرجل ولأبنائه وأحفاده الذين كان يقدرهم الملك كثيرًا.
■ كانت «رفح» هي بوابة الفراعنة والإغريق والرومان للوصول إلى الشام، حيث توقف رمسيس الثانى بها بعض الوقت ثم واصل سعيه لمحاربة الحيثيين. أقام بالقرب منها عمرو بن العاص وجيشه عندما أراد فتح مصر، ولما وصله خطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ونصه «إذا كنت لم تدخل مصر فلترجع، وإذا كنت قد دخلتها فتوكل على الله».. وقد كان، وفتح الله عليه مصر.
■ مشهور لدينا، تلك القصة الشهيرة بترسيم الحدود المصرية شرقًا عام 1906، عند طابا جنوبًا ورفح شمالاً، عندما أرادت الدولة العثمانية أن تدخل خط حديد الحجاز داخل حدودنا. كان الخط يبدأ من إسطنبول ويشق الشام وصولًا لمكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان من المخطط أن يصل اليمن أيضًا. لكن مع دخول «الخط» إلى غرب رفح، انقلبت الدنيا، وقصفت القوات البريطانية، العاملين في الخط، كما قصفت القوات العثمانية.. وانسحبت ووقعت اتفاقًا ملزمًا حول حدود مصر الشرقية. وهى الحدود التي نتمسك بها حاليًا.
■ اللافت أن الرأى العام في القاهرة انقسم حول هذا الموقف، فالقوى الاسلامية وأحزابها وصحفها وقادتها بمن فيهم- مصطفى كامل- تحيزوا للدولة العثمانية على حساب رسم حدودنا، فيما كشفت الواقعة عن تيار ليبرالى وليد، تمسك بحدود مصر.. واستقلالها.
■ نجحت مصر في بدايات عهد مبارك، على إجبار إسرائيل للخروج من سيناء بلا أية تنازلات، لكن إسرائيل أثارت أزمة حول هوية طابا. واستمرت الضغوط المصرية ابتداءً من 1982 حتى 1986 حيث قبلت إسرائيل بالتحكيم الدولى، والذى حكم لمصر في سبتمبر 1988 وبالإجماع بأن طابا مصرية.
■ نالت هذه المسألة اهتمامًا منى، وخاصة تشكيل الوفد المصرى. واللافت أنه ضم كل الأطياف حتى أشد معارضى مبارك سياسيًا. كان الفريق المصرى ممثلاً للجميع فعليًا، حتى إننى سألت الدكتور مفيد شهاب هاتفيًا عن طبيعة مشاركة الأمير إسماعيل شيرين، آخر وزراء الحربية في عهد الملك فاروق وزوج شقيقته فوزية. فشرح لى عن المعلومات والمستندات المهمة التي أمد الوفد المصرى بها.
■ قرأت باهتمام تصريحات وزير الدفاع الفريق أول محمد زكى، يوم الثلاثاء، والتى قال فيها «إنه لا تهاون أو تسامح مع كل من يحاول زعزعة استقرار مصر وحدودها وسيادة شعبها على أراضيها» وفهمت الرسالة جيداً!.
كلنا «مايسة»
كلنا معرضون لكى نصبح نحن وعائلاتنا أهدافًا سهلة لما يجود به لسان وحنجرة رئيس نادى الزمالك من كلمات وتعبيرات وأصوات، مثلما حدث مع السيدة مايسة محمود حمدى، المخرجة بقطاع الأخبار بالتليفزيون المصرى وشقيقتها ملك. لم تكن الشقيقتان بالطبع أول ضحايا لسانه ولن تكونا الأخيرتين إلا إذا تدخل من بأيديهم الأمر لوضع حد لهذه الظاهرة العجيبة.
تابعت أخبارًا سريعة عن الواقعة، ولم أستطع أن أكمل «الفيديو» المتداول. لكننى في مساء اليوم التالى شاهدت تقريرًا رائعًا على موقع الزميلة «الوطن» للسيدتين تتحدثان عما حدث معهما. لفت نظرى صورة السيدة مايسة، وطبيعة عملها، وتذكرت أنها قد تكون زميلتنا في كلية الإعلام وخريجة دفعتنا- 87- وهو ما أكده لنا الزميل أسامة البرهامى على «جروب الدفعة» في اليوم التالى.
قلت لنفسى ولأصدقائى إن خطر الرجل يقترب من فئات جديدة في المجتمع. وإن علينا مسؤولية أكبر في المواجهة.
كثير من العاملين في السياسة والعمل العام، قدموا خدمات لتثبيت الدولة أو مواجهة عدم الاستقرار وخاصة في أعقاب ثورة يناير. بعض هذه الخدمات كانت مشروعة وبعضها لم يكن كذلك، لكن أحدًا لم يعاير «الدولة» بأجهزتها العليا وصولًا لرئيس الجمهورية، مثلما يفعل رئيس الزمالك. أعرف شخصيات قدمت خدمات جليلة للنظام، لكنها لم تحظ بكلمة شكر واحدة.. بل تعيش مضطرة خارج مصر ولم تعاير مثلما يفعل هذا الرجل.
لقد أصبح خطرًا على الجميع، خطرًا حتى على من يدعمه. لقد سمعت وقرأت تقارير عربية وغربية، عن هذه الظاهرة شعرت معها بالخجل. لا تربطنى بـ«مايسة حمدى» أية معرفة حاليًا، مجرد زملاء في دفعة أصحبت قديمة جدًا. لكن ما حدث معها سيتكرر معنا جميعًا إذا لم يكن هناك تدخل عاجل.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع