التجارب الانتخابية والاستفتاءات منذ مارس ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة، تقول إنه من دون وجود ماكينات حزبية، فإن نسب المشاركة تكون دائما مرشحة للانخفاض.
وبالتالى فإن السؤال الذى يعاد طرحه كل فترة هو: ألم يحن الوقت كى يفكر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تأسيس حزب جديد، أو حتى الاعتماد على حزب قائم بالفعل يكون هو الظهير السياسى له؟!.
من سوء الحظ فإن المتطرفين والظلاميين والإرهابيين وأنصار الدولة الدينية هم الذين كانوا يملكون إمكانية الحشد الانتخابى، حتى قيام ثورة 30 يونيه 2013، والسبب أن الأحزاب المدنية ضعيفة كما أن كل حكومات ما قبل يناير 2011 حاصرتها بطرق متعددة.
هذا المعسكر حشد كل قواه فى استفتاء مارس ٢٠١١ على التعديلات الدستورية، فيما سمى وقتها بـ«غزوة الصناديق»، وتمكن من حسمها لصالحه، فى مواجهة قوى مدنية مبعثرة وغير منظمة، مقارنة بالحشد المنظم للمتطرفين.
بعد هذا الاستفتاء بثمانية شهور فاز نفس المتطرفين بأكثر من ثلثى مقاعد الانتخابات البرلمانية، وللمرة الثانية كانت الماكينة الانتخابية والتنظيم القوى المتماسك، هما كلمة السر وراء الفوز.
وبعد ستة شهور أخرى تكرر نفس الأمر للمرة الثالثة فى الانتخابات الرئاسية، حيث فاز محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان ضد الفريق أحمد شفيق، بفارق ضئيل للغاية، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك كان قوة الحشد والتنظيم لدى الجماعة وأنصارها.
وبعد نحو ستة شهور أخرى تمكنت نفس الماكينة من تمرير «دستور الإخوان» فى أول عام ٢٠١٣، على الرغم من معارضة كل القوى المدنية لهذا الدستور، الذى اعتبره كثيرون تمهيدا للدولة الدينية.
اليوم اختفى الإخوان من الساحة، وأغلب الظن أن العمود الفقرى للتنظيم تعرض لضربة قاصمة، أفقدته توازنه، خصوصا بعد لجوء عناصره للإرهاب.
السلفيون أيضا تلقوا ضربات متنوعة بعضها قاتل، كما حدث للمتطرفين منهم الذين لجأوا إلى الإرهاب، وبعضها أخف وطأة مما حدث للإخوان، وبعضهم لجأ إلى «مبدأ التقية» للحفاظ على وجوده وتنظيمه، واعتزلوا السياسة مؤقتا أو أعلنوا تأييدهم الشكلى للحكومة والدولة والنظام!!.
نعود إلى ما بدأنا به ونقول إنه من دون تنظيم سياسى مدنى قوى وحقيقى، فقد لا يمكن ــ للأسف الشديد ــ استبعاد عودة القوى الدينية والظلامية والمتطرفة مرة أخرى، وبالتالى فإن فرصة حشد الناخبين وراء القوى المدنية ستظل ضعيفة.
سيسأل سائل ويقول: ولكن الناخبين توجهوا إلى الصناديق بكثافة نسبية فى انتخابات رئاسة الجمهورية عام ٢٠١٤، وبنسبة أقل قليلا فى الاستفتاء على الدستور الجديد فى العام نفسه.
والإجابة ببساطة أنه فى هذين الحدثين أو الاستحقاقين كانت هناك ظروف سياسية ووطنية، تدفع غالبية المواطنين، حتى غير المسيسين منهم، للتوجه إلى الصناديق.
بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ شعر غالبية المواطنين، بأن هناك تهديدا حقيقيا يواجه الدولة واستقرارها، فى ظل توجه تنظيم الإخوان للعنف والإرهاب، وفى ظل منطقة تموج باضطرابات غير مسبوقة.
الآن ثبتت أركان الدولة، وعادت هيبتها كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى وكما يؤكد دائما وزير الداخلية مجدى عبدالغفار، والكثير من كبار المسئولين. هذا الاستقرار يرسل رسالة لبعض المواطنين بأن الظروف والأحوال صارت عادية، وبالتالى فإن الذهاب إلى لجان الانتخابات ليس واجبا حتميا من وجهة نظرهم!،وهنا مكمن الخطر.
وإذا أضفنا ظروفا اقتصادية صعبة مضافا إليها تراجع حريات التعبير، نستطيع أن نفهم سر الخوف من تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الحالية.
من يمكنه تغيير هذه المعادلة؟!.
هناك عوامل كثيرة للتغلب على هذه الحالة السلبية، أهمها وجود تنظيمات سياسية، سواء كانت فى شكل أحزاب أو تجمعات أو ائتلافات، المهم أن تكون مدنية وقانونية، وقائمة على أساس برنامج سياسى واضح، وليست على أساس نفعى مؤقت.
من المعروف أن الرئيس السيسى لم يكن متحمسا فى السنوات الماضية لتأسيس تنظيم سياسى علنى وصريح. لكن أظن أن الظروف والتطورات تثبت كل يوم، أن الأمر يستحق التفكير الجدى. وبدأنا نسمع منذ أسابيع قليلة عن تفكير ائتلاف «دعم مصر» فى تشكيل حزب سياسى يدعم الرئيس. لا نريد أحزابا على غرار حزب مصر أو الحزب الوطنى، تتبخر وتتلاشى مع خروج الحاكم أو وفاته. نريد قوى سياسية حقيقية تستطيع تغيير المعادلة الأزلية، والانقسام ما بين قوى دينية وعصبيات قبلية.
وجود القوى السياسية المدنية هو الذى سيواجه من انصار الدولة الدينية، ويحشد المواطنين للمشاركة فى أى انتخابات.
نقلا عن الشروق القاهريه