توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى (3)

  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3

بقلم - د. طه عبد العليم

تشكلت لجنة التجارة والصناعة في مارس 1916, وضمت ممثلي الرأسمالية في الصناعة المصرية، وكان تشكيلها تعبيرا عن تطلع الرأسمالية في مصر بجميع أقسامها ـ الأجنبية الوافدة، والمقيمة المتمصرة، والوطنية المصرية- الي مضاعفة مكاسبها من الأرباح الصناعية، في ضوء ما أبرزته الحرب العالمية الأولي من فرص متاحة وامكانات كامنة. وعقب ثورة 1919، التي مثلت المقدمة السياسية للانقلاب الصناعي الرأسمالي الوطني تحت قيادة بنك مصر، أخذت الحكومات المتعاقبة بكثير من توصيات اللجنة.

وأسجل، أولا، أنه امتدادا لدور بريطانيا في تصفية مشروع محمد علي لتصنيع مصر، أعلن لورد كرومر، ممثل سلطات الاحتلال البريطاني والحاكم الفعلي لمصر تحت الاحتلال: أن سياسة الحكومة تتلخص في: أولاً, تصدير القطن الي أوروبا، وثانياً، استيراد المنسوجات القطنية من الخارج؛ مضيفا أنه ليس في نية الحكومة أن تحمي صناعة القطن المصري، لما في ذلك من ضرر ومخاطر!! متجاهلا أنه لا صناعة حديثة بغير زراعة متطورة. وفي ظل السياسة الاستعمارية، كان منطقيا أن تتراكم خسائر الشركة المصرية الانجليزية ولم تنج من الانهيار إلا بزوال النظام المعادي للصناعة الذي نشأت في ظله. وثانيا، أن لجنة التجارة والصناعة في تقريرها، الذي صدر في ديسمبر 1917، لخصت أهم المشكلات التي تواجه تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة، وأبرزت غياب حماية الانتاج المصري باعتباره أهم المشكلات، وطالبت اللجنة بتعديل النظام الجمركي الذي لم يستهدف سوي زيادة الدخل وتجاهلت احتياجات تنمية الإنتاج القومي. كما قدمت اقتراحات استهدفت فتح الطريق أمام تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة في مصر، وابرزت مشكلات تمويل الصناعة، وارتفاع نفقات الوقود، وضيق سوق استهلاك المصنوعات، ونقص العمالة الفنية. وإقرار اعفاءات ضريبية للصناعة، وخفض أجور النقل بالسكك الحديدية، ومنح الأفضلية في المناقصات الحكومية للمصنوعات المصرية، وفتح مدارس ومعاهد صناعية, وتقديم القروض لإنشاء وتطوير بعض الصناعات، والتوسع في منح المساعدات المالية للمشروعات العامة المفيدة للصناعة، وانشاء بنك لمساعدة الصناعة، واحلال محركات الديزل المستهلكة للمازوت محل المحركات البخارية، وانشاء مصلحة حكومية للاشراف علي تطور التجارة والصناعة.

وثالثا، أن بريطانيا- تحت ضغط ثورة 1919- قد اضطرت إلي إصدار تصريح 22 فبراير 1922، الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. ورغم ما عرف بـالتحفظات الأربعة، التي جعلت هذا الاستقلال شكليا، فقد تمكنت مصر استنادا اليه من إصدار دستور 1923. وفي إطار ما انتزعته مصر من حقوق السيادة ومن زاوية التحول في السياسة الاقتصادية وتعزيز الادارة الوطنية للاقتصاد تضمنت نصوص الدستور مواد عززت الرقابة البرلمانية علي ميزانية الدولة، واستهدفت حماية الموارد الوطنية، وقننت فرض الضرائب. كما جري انتخاب أول برلمان في مصر في عام 1924, وحازت فيه قيادة الثورة- ممثلة في حزب الوفد- علي 195 مقعدا من 214 مقعدا، وأصدر البرلمان قرارات منها: وقف اختيار الأجانب كممثلين للحكومة بالشركات الأجنبية، وتأكيد أفضلية المنتجات والشركات الوطنية في المشتريات والعطاءات الحكومية، وزيادة التمويل الحكومي للتعليم.. الخ.

ورابعا، أن الدستور قد نص علي أنه لا يجوز إنشاء ضريبة أو تعديلها أو الإعفاء منها إلا بقانون، وفي مواجهة عقود الامتياز التي منحت بلا ضابط، نص الدستور علي أن كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثورة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة لا يجوز منحه إلا بقانون ولزمن محدود. وإن ظل النصان مقيدين حتي انتهاء الامتيازات الأجنبية في عام 1937. واتخذ البرلمان قرارات استهدفت إعادة السيادة القومية في مجال صنع السياسات الاقتصادية، خاصة النقدية والمالية، واتجهت الي دعم الرأسمالية الصناعية والزراعية الوطنية الصاعدة. وقد ساند حزب الوفد مطالب بنك مصر تحت قيادة مؤسسة طلعت حرب، وأعلن موقفه الداعم للصناعة القومية بنداء وجهه إلي الشعب في عام 1992؛ داعياً المصريين إلي إيداع أموالهم في بنك مصر وشراء أسهمه ليتسني له أن يساعد في إحياء المشروعات الوطنية، وتفضيل المصنوعات الوطنية والإعلان عنها وتشجيع الإقبال عليها، وتفعيل التعامل مع التاجر المصري ومقاطعة التاجر الإنجليزي مقاطعة تامة.

وخامسا، أن الحكومة قد منحت الأولوية في المشتريات الحكومية لمنتجات الشركات الصناعية المحلية، وقدمت قروضا للصناعة، وأودعت لدي بنك مصر مبالغ بهدف إقراض الصناعة، ثم قررت تأسيس البنك الصناعي واكتتبت بأغلبية في أسهمه. واستجابة لتهديد أصحاب مصانع النسيج بوقف الانتاج بسبب تراجع أرباحهم- نتيجة لأزمة الثلاثينيات الاقتصادية، ثم فرض التسعيرة الجبرية للأقمشة خلال الحرب العالمية الثانية- قررت الحكومة تقديم دعم من القطن الرخيص. وتحت ضغط اتحاد الصناعات جاءت التعريفة الجمركية موفقة الجهد بين مقتضيات حماية وتطور الانتاج المحلي وحاجات الخزانة المتزايدة، ثم تقرر منح إعفاءات للسلع الانتاجية والمواد الأولية المستوردة، وزيادة الرسوم علي الواردات من غزل ونسج القطن السميك والمتوسط، وفرض رسوم أعلي علي تشكيلة كبيرة من السلع الاستهلاكية المستوردة. وزادت عناية الحكومة بالتعليم الصناعي فتضاعف نحو عشر مرات معدل النمو السنوي لأعداد طلاب المدارس والمعاهد الصناعية. ورغم شروط العمل القاسية وظروفه الصحية السيئة وانعدام الحماية القانونية لعمال الصناعة قاوم اتحاد الصناعات المصرية- وساندته الحكومة- صدور التشريعات العمالية الاجتماعية والنقابية.

وباختصار، فان النظام البرلماني الليبرالي في فترة ما بين ثورة 1919 وثورة 1952 لم يكن مجرد واجهة شكلية أقامها الاستعمار والقصر، وإنما انتزعته الحركة الوطنية في غمار صراعها ضدهما. وفي ظله استجابت السياسة الاقتصادية- وإن جزئيا وتدريجيا- لاحتياجات التصنيع الرأسمالي الوطني كما عبرت عنها مجموعة بنك مصر تحت قيادة طلعت حرب.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3 مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon