توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حمام الدار

  مصر اليوم -

حمام الدار

بقلم - نيفين مسعد

اصطف الشابات والشبان علي الجانبين في انتظار توقيع الكاتب الكويتي سعود السنعوسي روايته الجديدة "حمام الدار". جلس الكاتب أمام مائدة طويلة تفصل بين طابورٌي الشباب من الجنسين، عنده ينتهي الطابوران أما بدايتهما فتمتد خارج مبنى مكتبة تنمية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب. كان المشهد يفرح القلب ويعطي بصيصا من أمل، وسط تفاهات كثيرة تبحث هذه العقول النضرة عن عمل جديد جاد لروائي جاد، تتهلل ملامح الشباب وهم يأخذون صورا سيلفي بلا حصر مع سعود السنعوسي ويدفعون إليه بنسخ من روايته الأخيرة ليكتب إهداء لعزيزته فلانة أو عزيزه فلان. وسط الزحام الشديد يغلق كل ممرات المكتبة أصادف إحدى طالباتي تعافر في الوصول إلي الداخل وتنجح في أن تحجز لها مكانا في طابور الشابات. هؤلاء القرّاء من كل أنحاء الوطن العربي هم من صنعوا نجومية السنعوسي، من قال إن العملة الرديئة دائما ما تطرد العملة الجيدة من السوق؟ ها نحن أمام عملة جيدة وهاهم الشباب يقبلون على تداولها بثقة كبيرة . جمال المشهد لا ينبع فقط من علاقة السنعوسي بقرائه لكنه ينبع من المكان الذي احتضن هذا المشهد، مكتبة تنمية هي مكتبة يعرف كل من فيها ماذا يبيع، تطلب رواية فيرشحون لك ما يناظرها ويقارنون بين الروايتين بفهم واحتراف، تسأل عن باب من أبواب الأدب العربي فيهدونك إلي ضالتك ويزيدون بعمل أو اثنين من الأدب العالمي ليفتحوا أمامك نافذة على الآخر .

***

ألتقط نَفَسا عميقا قبل أن أدلف إلى أحدث أعمال سعود السنعوسي "حمام الدار" ، فهذه الرواية تحتاج شهيقا من نوع خاص يليق بها ففيها يبدو السنعوسي كما لو كان قد غيّر جلده، أو نَقَلَ حكيه من طبقة أدبية إلى طبقة أدبية أخرى. لا تشبه "حمام الدار" رواية السنعوسي الأشهر "ساق البامبو" فهي تقع في مسافة بين الواقع والخيال أو بين الحقيقة والوهم، ومع أن فيها بعض روائح من روايته " فئران أمي حصة" إلا أنها أكثر منها تجريدا بما لا يقاس، هي تنويع علي بعض أعمال الأديب الإسباني ميغيل دي أونامونو وبالذات روايته الملغزة " الضباب " التي يتأرجح فيها وعيه بين الوجود وعدم الوجود. هي ليست رواية تصاحبنا في رحلة قطار أو في مسافة انتظار، بالتأكيد هي ليست كذلك.

***

جوهر الرواية هو علاقة الأديب بشخوص رواياته فهو يشكلها ويرسم أدوارها ويدس نفسه بينها، ثم هو قد يعيد تشكيلها وبعد أن ينفخ روحه في حمامة أو عنزة إذا به يسحبها ليُسكنها بشرا مثلي ومثلك. لكن شخوص الراوي ليست على الدوام سهلة لينة تتقمص الأدوار التي تُكتب لها، فها هي بين الحين والآخر تحاوره وتناكفه.. تتعجل مصائرها حين يقف قلمه علي مفترق نهايتين.. وقد تمضي خطوة أبعد فترفض أن تكون علي الصورة التي اختارها لها وهذا حال أبطال رواية "حمام الدار". في الصباحات الخمسة الأولى من صباحات الرواية يتحرك الكهل الخمسيني عرزال بن أزرق في محيط ضيق بل ضيق جدا، تتكرر أحداثه برتابة شديدة إلى حد تعقُب كل بصقة تبصقها العجوز بصيرة في القصعة المجاورة لها تحت بئر السلم، مهجوس هو بمصير حماماته الست تعود من رحلتها اليومية أو لا تعود وقلبه مشطور نصفين، نصف يهاتفه أنها عائدة لأن يٌمة بصيرة مكمن الحكمة وخبرة السنين تحدثه دائما بأن حمام الدار لا يغيب، ونصفه يصارحه بأن بعضها لن يعود فقد أطلق أبوه أزرق الحمامتين زينة ورحّال على غير العادة بعيدا وراء الحدود، بالفعل لم تعد الحمامتان وماتت بصيرة على فرشها الكالح فلم يحس بها أحد، هل ماتت بصيرة لأن نبوءتها لم تتحقق وغاب حمام الدار الذي قالت إنه لا يغيب أم أن زينة ورحّال رفضا الإياب لدار لم تعد توجد بها بصيرة ؟ في هكذا نص كل الإجابات واردة .

***

لم يفقد عرزال حمامتيه فقط في المجهول الأزرق لكنه فقد أيضا قٌطنة هذه العنزة شاهقة البياض التي كان يلاطفها فتعطيه لبنها عن طيب خاطر، قتلها هو مستخدما رش بندقيته حين كان أبوه يعلمه الرماية فرماها دون قصد ، حزن .. التاث .. وقبل أن يهرب إلى بئر السلم احتضن قطنة الجريحة بين ذراعيه في مشهد لا أبدع من تصويره . لاحقا سنعرف أن قٌطنة ليست عنزة بل هي أخته أو ابنة عمه أو ابنة خاله والأرجح أنها ابنة العبدة التي اشتراها والده .

***

وفي الصباحات الست التالية تتغير الأسماء وتتناسخ الأرواح أكثر فأكثر، يتحول عرزال بن أزرق إلى منوال بن أزرق، وتتحول الحمامتان الغائبتان إلى أخوين من إخوة منوال الستة ابتلعتهما زرقة البحر كما ابتلعت زرقة السماء الحمامتين من قبل، وتتحول فيروز إلى أمه التي تعلق بها عرزال وصار حبه لها مبررا إضافيا لقسوة أبيه عليه. فيروز هي الحمامة الأم التي كانت قد وضعت فرخين أسماهما الراوي زينة ورحّال حتى يظل هذان الاسمان يترددان في الدار رغم اختفاء صاحبيهما الأصليين. في هذه الصباحات نتعرف أكثر على العبدة قطنة وعلى والدتها فايقة هذه المرأة الوفية التي توارثتها أسرة منوال/عرزال. كانت فايقة مثل أفعى الدار التي وصفتها العجوز بصيرة بأنها لا تخون، وقد أصابت بصيرة هذه المرة. هل فعلا كره الراوي اللون الأزرق كما قال؟ سألت نفسي هذا السؤال بعد أن وجدت الراوي يعرب عن كراهيته للأزرق الذي هو اسم والده بالغ القسوة والذي هو لون السماء والبحر اللذان غيّبا زينة ورحّال الحمامتين / الأخوين ورغم ذلك كان الراوي يستخدم اللون بكثافة شديدة في كتابته، ثم قدم لي هو الإجابة حين قال إن كل الألوان زرقاء، والأرجح أنه يقصد أن الزرقة تلازم كل ما هو حزين. عموما ليس هذا هو السؤال الوحيد الذي تطرحه الرواية، فهناك أسئلة عن حالة البين بين التي عليها شخصيات الراوي وأحداثه فالعجوز بصيرة ترى وتتكلم ولا تري ولا تتكلم وأبوه يكذب ولا يكذب وأبطاله يتمردون وينصاعون .

***

إن هذا عمل لا تكفيه قراءة واحدة ولا تمسك بالذي يقصده الراوي من ورائه عين واحدة، أما لغة سعود السنعوسي فرفيعة متقعرة تختار من اللفظ أرصنه ولا تتورع عن نحت مفرداتها الخاصة كما تنحت ملامح الشخصيات فتزيل شامة من هذه الوجنة وتمنح غلظة لهذا الصوت. رواية "حمام الدار" أمتعتني قراءتها ومنحتني أملا في شباب الأدباء.

عن الشروق القاهريه

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حمام الدار حمام الدار



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon