توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق بين انتفاضتين

  مصر اليوم -

العراق بين انتفاضتين

بقلم-د. نيفين مسعد

فى التاريخ الحديث للعراق كانت شعلة الاحتجاج ضد الاحتلال عادة ما تنطلق من الجنوب، حدث هذا فى ثورة العشرين التى وحدت العراقيين شيعة وسنة ضد المستعمر البريطاني. وتكرر هذا فى عام 2003عندما اندلعت المقاومة المسلحة ضد القوات البريطانية المتمركزة فى الجنوب، ولم تتوقف هذه المقاومة إلا بعد إجبار البريطانيين على الانسحاب نهائيا من الجنوب فى عام 2007 أى قبل عدة سنوات من الانسحاب الأمريكي. ومع أن إيران كانت هى المستفيد الأكبر من إطاحة نظام صدام حسين، إلا أن الجنوب كان لتمددها بالمرصاد ومنه خرجت المظاهرات التى تؤكد عروبة العراق وترفض الهيمنة الإيرانية. من هذا التاريخ المشّرف للجنوب العراقى أتوقف أمام انتفاضتين شعبيتين محددتين لأنهما تبعثان بمجموعة من الرسائل المهمة تفيد فى استشراف المستقبل.

بعد أيام من تحرير الكويت وتحديدا فى بداية مارس 1991 انطلقت انتفاضة شعبية ضد نظام حكم صدام حسين، وُصِفَت هذه الانتفاضة بالشعبانية، لأنها تمت فى شهر شعبان، وكانت بدايتها من البصرة لكن ذروتها كانت فى النجف حيث تحول مرقد الامام علّى رضى الله عنه إلى مركز للحشد والتعبئة. استمرت الانتفاضة الشعبانية أسبوعين وهوجمت فيها مؤسسات الدولة من أول مقار حزب البعث الحاكم وحتى مديريات الأمن، وواجه الجيش العراقى والحرس الجمهورى الانتفاضة باستخدام القوة المفرطة ما أوقع عددا كبيرا من الضحايا بعد أن كاد المتظاهرون يسيطرون على مدينة النجف، وبالتالى طوِيت هذه الصفحة التى لم يُسَلَط عليها ضوء كافٍ من تاريخ الجنوب العراقي.

وفى 8 يوليو 2018 انطلقت انتفاضة شعبية أخرى من البصرة لكن البصرة ظلت هذه المرة ممسكة بقيادة الانتفاضة مع امتداد نطاقها إلى محافظات جنوبية أخري. استهدفت الانتفاضة مواقع شديدة الحساسية شملت حقول النفط وميناء أم قصر ومطار النجف ـ دع عنك المقار والمبانى الحكومية ـ واختلف التعامل الحكومى معها عن عام 1991، فمع التصدى بحسم لعمليات التخريب لمنشآت الدولة إلا أن رئيس الوزراء زار البصرة وأكد حق التظاهر السلمى ،وأعرب عن تفهمه لعدالة مطالب المحتجين.

من هاتين الانتفاضتين نلتقط عددا من الرسائل الأساسية، الرسالة الأولى والأهم أن مشكلة العراق لم تكن أبدا مشكلة مذهبية مهما حاول البعض توظيف التنوع المذهبى للعراق من أجل تأجيج الفتنة بين أبنائه. فكم هى دالة هذه المقارنة بين شعار يسقط صدام الكافر الذى كان يعلو جدران محافظات الجنوب فى 1991، وشعار ما بدنا حاكم ملتح بدنا حاكم يستحى الذى رفعه المحتجون فى 2018، والدلالة هى أنه أيا من كان حاكم العراق فإن معيار الحكم عليه هو سياساته وليس مذهبه أو علاقته بالدِّين، مع التحفظ بالطبع على مسألة التكفير. لقد عانى سكان الجنوب ولايزالون من التهميش الاقتصادى - الاجتماعى لصالح المركز، وهذه المعاناة تتضخم أكثر حين يرى الجنوبيون وأبناء البصرة بالذات أن محافظتهم هى الأكثر إسهاما فى الدخل القومى والأقل تمتعا بالعائدات النفطية. ذهب حكم حزب البعث وجاء حكم حزب الدعوة وعبر البصريون عن رفضهم التهميش بطرق مختلفة بما فى ذلك مطالبتهم بإقليم فيدرالى مثل كردستان حتى يتم تقاسم الثروات بشكل عادل ولا يبقى سكان البصرة يستجدون الأموال من الحكومة الاتحادية فى بغداد كما قال أحدهم.

الرسالة الثانية أنه طالما ظل التهميش فإن إسكات صوت المحتجين قمعا أو سلما لا يعنى إخماد النيران فتلك النيران ستشتعل مجددا فى أى لحظة، وبالذات فى ظرف الأزمة. قد تتمثل هذه الأزمة فى هزيمة عسكرية وعقوبات اقتصادية كما فى 1991، أو فى استقطاب سياسى و مصاعب إعادة الإعمار ،وهاجس عودة الإرهاب كما فى 2018. المهم أنه فى الحالتين يوجد عدم عدالة فى توزيع الموارد حتى إن محافظة النفط تشكو انقطاع الكهرباء والمنفذ البحرى الوحيد لديه مشكلة فى المياه، وفى الحالتين هناك فساد سياسى فرغم اجتهاد العبادى فى محاربة الفساد مازال العراق فى طليعة الدول الأكثر فسادا على مستوى العالم إن لم يكن على رأسها.

الرسالة الثالثة عن الدور الخارجى فى تأجيج الغضب وهذا وارد فى الحالتين، لكن المشكلة داخلية بالأساس ولو لم تكن كذلك ما تفهم المرجع الشيعى الأعلى آية الله على السيستانى مطالب المحتجين. وللتذكرة فقط فإن إيران فى عام 1991 لم تدعم انتفاضة الجنوب ولو دعمتها لتغيرت أمور كثيرة وقد كان بإمكانها أن تفعل بسهولة، فالنظام العراقى فى وضع دفاعى أمام العالم، وإيران على العكس فى وضع مثالى بعد أن قدّرت لها دول غربية وعربية حيادها المزعوم. ومن الجائز أن الولايات المتحدة ساهمت فى تصعيد غضبة الجنوب عام 2018، لكنها بالتأكيد لم تحرك مقتدى الصدر الزعيم الشيعى صاحب الشعبية الكبيرة فى محافظات الجنوب كما أوضحت الانتخابات الأخيرة، بل إن هذه الشعبية نفسها دليل على محدودية تأثير الخارج على الجنوبيين ،سواء كان هذا الخارج هو الولايات المتحدة أو إيران نفسها.

الحل السليم للمشكلة يقتضى تشخيصا سليما لها، والتاريخ والواقع يقولان إن أبناء المحافظات الجنوبية يريدون مواطنة كاملة، وقد رفعت حكومة البصرة للمركز قائمة بـ 26 مطلبا، والرقم دال لضخامته، وما لم يتعامل المركز مع هذه المطالب بجدية لا بسياسة التهدئة حتى تمر العاصفة، فسوف يظل الجنوب مهدا للاحتجاجات العراقية.

نقلا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق بين انتفاضتين العراق بين انتفاضتين



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon