بقلم - عايدة رزق
نتكلم كثيراً عن النسيان خلال فترتين فى حياتنا.. فترة الامتحانات.. وفترة الشيخوخة.. فعندما نتقدم فى العمر ننسى أشياء كثيرة.. ننسى أين وضعنا سلسلة المفاتيح.. ونبحث معظم الوقت عن النظارة.. نتذكر بصعوبة الأسماء.. وتختفى من أذهاننا أغلب الأرقام والتواريخ.. ويخبرنا الأطباء بأن النسيان إذا جاء مع الشيخوخة فليس هناك ما يزعج.. ففى أواخر أيام الشاعر الاسكتلندى «والترسكوت».. لم ينزعج أصدقاؤه حين أنشدوا له إحدى قصائده فأعجبته وسأل عن ناظمها.. أعتبروا الأمر طبيعيا.. فالرجل يعيش مرحلة الشيخوخة حيث الذاكرة تخون ولا تسعف.. ويروى عن العالم السويدى «لينيه» أنه قبل وفاته كان يقرأ بجوار النافذة إحدى مؤلفاته ثم صاح : «ما أبدع هذا ليتنى كنت الكاتب».. إذن النسيان فى فترة الشيخوخة لا يعد مشكلة..
ولكنه يصبح مشكلة إذا جاء قبل الأوان.. وهنا اختلف الأطباء فى أسبابه.. فذهب البعض إلى أن ازدحام الذهن بعدة أمور فى آن واحد يسبب النسيان.. فإذا لم تطرد الذكريات مثيلتها فهى على الأقل تعوقها عن الظهور.. كذلك التشبع يسبب النسيان.. فحين يمتلأ الذهن بكلمات وأقوال وأسماء وتواريخ وأحداث تافهة وجسيمة وتفاصيل صغيرة وكبيرة ووجوه وأشكال يصبح كالمخزن الذى امتلأ بأشياء فاقت حجمه فتراكمت فوق بعضها البعض.. فكيف بعد كل ذلك نستطيع أن نستعيد شيئا منه ؟.. أيضا قد يحدث النسيان بسبب التعب والارهاق.. وهذا ما أدركه «أبو تمام» الذى كان عليما بأسباب النسيان حين نصح صديقه قائلا : «لكى تحفظ المعلومات ولا تنساها.. تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفو من الغيوم».. أيضا يصبح النسيان مشكلة إذا كنت طالبا وتجلس أمام ورقة الأسئلة فى لجنة امتحان.. ولا تلوم سوى نفسك.. فقد سهرت طوال الليل تذاكر فى اللحظات الأخيرة.. وجئت فى الصباح مجهداً متعباً متجاهلاً كل القوانين الخاصة بالذاكرة والتى قد يفيدك قراءتها فى كتاب النسيان للدكتور «أحمد فؤاد الأهواني».
ويبقى القول أن النسيان إذا حدث للإنسان فقد يرحمه من تذكر الأحداث المؤلمة والهزائم التى لحقت به فى حياته.. ولكنه حين يحدث للشعوب فتلك هى الكارثة !
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع