بقلم - عمر طاهر
تبدو الجملة كأنها جمل طبطبة وجبر خواطر، (مايقعش إلا الشاطر)، قم ولا يهمك أنت لست مغفلا فالمغفلون لا يقعون.
لكنها أكبر من مجرد طبطبة.
هذه الجملة تصلح لأن تكون درسا فى الجغرافيا.
فشرط الوقوع أن تكون فى الأساس فى موقع مرتفع، وهذا يليق بالشاطر فعلا، النقطة التى تقف عندها كلما كانت عالية كلما كانت الحركة غير الموفقة (وقوعا)، بعكس البليد الذى يلتصق وجهه بالأرض، هو (واقع خلقة)، معجزته ألا تدهس وجهه الأقدام.
هذه الجملة تصلح لأن تكون درسا فى علم الاجتماع.
فالشاطر هو شخص مرصود من المجتمع، بما أنه ارتفع عن الأرض فهو يشغل حيزا لا بأس به من مدى الإبصار، يراقبه الناس بمشاعر مختلفة، البعض معجب بهذا التحليق، والبعض الآخر يود أن يقع الشاطر فتنكسر رقبته، غالبا من يتمنى ذلك هو الشخص الذى تكلمنا عنه فى الفقرة السابقة، تلك المراقبة لا تخلو من تحفز حقيقى، بعض هذا التحفز غيرة يود صاحبها أن يحلق عاليا مثل الشاطر، والبعض الآخر غيرة لا يود صاحبها أن يحلق من الأساس ويتمنى الأسهل وهو أن يقع الشاطر.
هذا التحفز يجعل كل ذلة أو خطأ أو سوء تقدير للشاطر مضروبة فى مائة بفعل الغيرة السوداء، يتناسب حجم الوقوع طرديا مع النقطة التى وصل إليها الشاطر، المجتمع الذى صفق للشاطر وهو يصعد يتلكك له ويتعامل مع خطأ صغير بدراما صارخة، فتلك الوقعة التى قد تبدو صغيرة يمكن لتضخيمها أن يساهم فى أن ينام البليد قرير العين ليلا.
هذه الجملة تصلح لأن تكون درسا فى علم الفيزياء.
لكل فعل رد فعل مساو له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه، وقوع الشاطر أكبر دليل على أنه يتحرك إلى أعلى، وقوعه يعنى أنه لم يركن للحركة الآمنة التى تجعله يستمر فى تحليق متوسط القوة، لكنه قرر أن يغامر وأن يتحرك بقوة أكبر وأن يكسر الثوابت وأن يزيح خوفه بعيدا آملا فى أن يفاجئ نفسه، يستطيع الشاطر أن يكتفى بما حققه وأن تكون حركته من أجل الحفاظ عليه فقط، وهذا أمر غاية فى الأمان ويقى الواحد من خطر الوقوع، لكن الشاطر مغامر وطماع وبالبلدى (طفس) يحلم باكتشاف آخر الماكينة الموجودة داخل روحه، وهذا ما يجعله معرضا للوقوع، وربما يتكرر وقوعه كثيرا، لكنه فى نهاية الأمر سيحول هذا الوقوع المتكرر إلى لقطة للتاريخ والذكرى الخالدة، وسيثبت ببراعة أن الهجوم الرائع يبدأ بخطوة إلى الخلف، إنها سياسة الانتصار.
يقع الشاطر لأنه لا يخاف من الوقوع، يقع ليرى فيما كان الخطأ.
الجميع يخشون الوقوع، إلا الشاطر فلا أحد يقع غيره.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع