بقلم ـ عمر طاهر
عزيزى توم هانكس..
معذرة تأخرت فى الرد على سؤالك بخصوص رأيى فى التغيير الوزارى الأخير.
كنت أنتظر مع التغيير الوزارى السابق أن يتم إسناد وزارة التموين لـ«وزيرة»، هذا المنصب فى مصر بالذات لابد أن يكون نسائيا، هذا ملعب الأمهات والزوجات الذى يُدار بـ«الفطرة».
إذا تابعت أى تقرير تليفزيونى عن الأسعار وقارنت بين التصريحات الرجالى والنسائى ستجد الرجال يقولون كلاما عاما عبارة عن صريخ وولولة و«أجيب من فين» و«يا ابا يا انا يا اما»، بينما المرأة ثابتة تتكلم بدقة وبحرفية، وقفت إحداهن مرة أمام وزير تموين سابق تحدثه عن ارتفاع أسعار الأرز داخل أحد المجمعات فأمسك بورقة تقدم أحد العروض قائلا: إيه رأيك فى العرض ده 3 كيلو ومعهم كيلو هدية بكذا، فسألته الست: كده يبقى الكيلو واقف بكام؟ ارتبك الوزير ولم يعرف الإجابة واستنجد بمعاونيه فأنقذه أحدهم برقم فقالت الست: برضه غالى. فى تقرير آخر أمسكت إحدى السيدات بكيس المكرونة بطريقة معينة أمام المسؤول الذى كان سعيدا بالمنتج والعرض، حركت السيدة الكيس يمينا ويسارا فبدا كم هو فارغ متساءلة: طب ده يرضى ربنا؟ وقبل سنوات، وفى تقرير آخر، كانت إحدى السيدات تشكو من ارتفاع سعر أنبوبة البوتاجاز فقال المسؤول: بعشرين جنيه وفى كل مكان، فأخرجت السيدة من صدرها عشرين جنيها وقدمتها للمسؤول قائلة: هات لى واحدة.
تقف المرأة فى مثل هذه التقارير ثابتة تتكلم بالربع جنيه وكام كوباية فى كيس الأرز ونسبة الدهن فى كيلو اللحم، الرجل عادة تاجر جملة بينما المرأة تاجرة قطاعى، هى ملكة التفاصيل، تفهم جيدا أثر كل قرش زيادة، وتجيد قراءة مستقبل البيت فى ظل أى تغييرات محتملة، الرجل مجرد راع رسمى للبيت لكن لا أحد يجيد إدارة مسألة خزين البيت أفضل من أم مصرية.
كل الحيل التموينية التى تعيش عليها البيوت المصرية هى حيل نسائية، التنشيف والتجميد والتخليل والاستفادة من بواقى الطعام والخبز وطريقة تناول الطعام التى تربى عليها أولادها وزوجها أحيانا، هى التى تعرف الفرق بين المحال والأسواق، وبالنظرة تعرف الحرامى من الأمين، تعرف الطريقة المثلى لتبادل المنفعة مع جيرانها، وتعرف ما لها وما عليها من أول محال التموين حتى المحال الكبرى، تجيد اللعب فى ملعبى الكم والكيف على مستوى تموينها طوال الوقت، تموين البيت ليس مجرد أرز وسكر بالنسبة لها ولكنه تحدى أمومة واختبار شخصى، كل النظريات الاقتصادية التى تفتح بيوتنا نظريات نسائية: التسليك والتدبير والترقيع والجمعية حتى الكلمة الحلوة «ربنا بيحلى للفقير زاده»، و«من قال الحمد لله شبع».
الخائفون من النشطاء والحركات المدنية، خافوا أكثر من تنظيم «ربات بيوت مصر» الذى لو رفع يده لأكلكم الناس فى مكاتبكم.
يقف المسؤولون أمام السيدات فى مثل هذه التقارير مرتبكين، فمهما كان الوزير ماهرا لن يصل لحكمة ربة بيت مصرية لديها مهارة عجيبة فى إدارة «الخزين الاستراتيجى» وهندسة «التدبيق»، يرد المسؤول عليها بإجابات تصلح للرد على استجوابات رجال البرلمان (رجالة مش فاهمة بتكلم بعض وخلاص) لكنها إجابات لا تفتح بيوتا، فكرة وزيرة للتموين ليست جديدة سمعتها من قبل، شتان ما بين وزيرة (امرأة) تعرف بطبعها كيف تتصرف فى أى وقت وفى أى ظروف إذا صرخ أحد سكان البيت قائلا: «جعان»، وبين وزير هو فى الأصل رجل عندما يدخل إلى بيته «زى ما يتحط له بياكل».
محبتى.. عمر
عن المصري اليوم القاهريه