توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نهاية الحقبة النفطية

  مصر اليوم -

نهاية الحقبة النفطية

بقلم - جمال عبدالجواد

 لم يكن عصر الازدهار النفطي شأنا خليجيا فقط، فآثار الثروة النفطية وصلت إلى كل بلد وكل بيت في المنطقة. ما من بلد في العالم العربي إلا وتلقى دعما ماليا من دولة خليجية، أو استقبل استثمارا قادما من هناك؛ وما من بيت إلا وفيه واحد سافر للعمل في بلاد الوفرة النفطية. الثروة النفطية كانت هائلة الحجم، فأدخلت المنطقة كلها في حقبة دامت لأربعين عاما، ولكنها أخيرا توشك على الانتهاء.

الإصلاحات في بلاد الخليج تؤذن بنهاية الحقبة النفطية. لم يعد وقود السيارات في دول الخليج الغنية بالنفط أرخص من الماء. لم تعد الدولة الخليجية مصدرا للعطايا المجانية لمواطنيها. لم يعد الاستيلاء على أموال الدولة حقا لأمراء يعتبرون أنفسهم ملاكا للكنز النفطي المدفون في باطن الأرض. لم تعد الضرائب مفهوما غريبا على المواطن الخليجي الذي لم يطالبه احد بدفع الضرائب منذ هبطت ثروة النفط.

كل هذا يتغير الآن وبسرعة. لكن أثر سنوات الوفرة النفطية لن يختفي بمجرد الأخذ بسياسات جديدة. لقد نقل النفط دول الخليج من العوز إلى الرفاهة، ولكن هذه النقلة الرائعة لم تكن بلا ثمن. أدخلت سنوات الوفرة قيما جديدة على ثقافة المجتمع، ولن تختفي هذه القيم بمجرد تبديل السياسات. الوفرة المالية ونظام العطايا المجانية فصم العلاقة بين الجهد والمكافأة، وهي العلاقة التي تعتبر واحدا من أهم أسس قيام المجتمع والحضارة البشرية. في دولة الرفاه النفطية كان يمكن للفرد الفوز بثروة هائلة دون جهد على الإطلاق، أو أن يبذل القليل من الجهد، فيحصل في مقابل ذلك على ثروة لا تتناسب بالمرة مع الجهد المبذول. الشيء الإيجابي هو أن أحدا لم يحرم من الحصول على نصيب من الثروة، لكن طريقة توزيع الأنصبة كانت تحكمية وكريمة بلا قواعد. أما الآن فقد بات من الضروري إقناع الناس بأن العمل والجهد هو الطريق الوحيد للحصول على المكافأة، وأن المكافأة يجب أن تتناسب مع حجم الجهد من ناحية، ومع العائد الناتج عن هذا الجهد من ناحية أخرى. إذا كان هناك من تحد يواجه عملية الإصلاح الجارية في دول الخليج النفطية، فإنه ذلك التحدي المتعلق بنظام القيم التي أرساها النفط في النفوس والثقافات.

أثر الحقبة النفطية على المجتمع والاقتصاد عندنا لم يكن أقل شأنا عن أثره في بلاد الثروة النفطية. منذ منتصف السبعينيات وآلاف المصريين يهاجرون شرقا وغربا إلى بلاد النفط. الأجور في بلاد النفط أعلى كثيرا من نظيرتها في بلادنا. العمل هناك لم يكن يأتي بالرزق فقط، وإنما بالبحبوحة والثروة أيضا. لم يكن العاملون الذين بقوا داخل البلاد ليشعروا بفداحة انخفاض دخولهم لولا الأجور العالية التي حققها أقران لهم أسعدهم الحظ بالعمل في بلاد النفط. تململ الموظف المصري على مكتبه، وحط عليه الشعور بالتعاسة وسوء الحظ الذي كتب عليه البقاء في الداخل، بينما الآخرون يغرفون بلا حساب من الثروة في الخارج. أصبح الداخل مرادفا للبؤس، بينما أصبحت «بلاد برة» عالما أسطوريا يستحم فيه الناس باللبن والعسل.

كان الخارج المرفه يأتي إلينا في موسم الإجازات من كل عام، محملا بملابس فاخرة، وتليفزيونات ملونة، ومراوح، وأجهزة تسجيل، وسيارات. يا له من ضغط اجتماعي وعصبي ذلك الذي تحمله أهل الداخل في تلك الأيام. لم يكن الضغط اجتماعيا فقط، لكنه كان ضغطا اقتصاديا أيضا. القادمون من الخارج كانوا مستعدين لدفع أثمان أعلى للسلع المحدودة الموجودة في الأسواق، فارتفعت أسعار كل شيء، من الخضار إلى شقق السكن، فأصبحت حياة أهل الداخل أكثر عسرا. لم يعد القادمون من الخارج يرضون بالمنتجات المتواضعة التي تنتجها مصانعنا، فزاد الاستيراد من الخارج. حلت تجارة المستورد محل التصنيع المحلي. تناقصت الوظائف المنتجة، وزادت البطالة، ولجأ الناس لوظائف خدمية وطفيلية. تحولت ثقافة الناس من «كسب الرزق» إلى «تقليب العيش» ومن «العمل» إلى «السبوبة» ومن «المأمورية» إلى «النحتاية» أما الزبون فلم نعد نبحث عنه لكي نبيع له سلعة أو خدمة، إنما لكي «نقلبه».

لم تعد الأجور المدفوعة في الداخل تشجع على العمل. تدهور الأداء العام في مصالح الحكومة وهيئاتها، وفي قطاع الدولة العام، بعد أن كف الموظفون عن بذل ما كانوا يبذلونه في السابق من جهد. اكتفى بعض الموظفين بالعمل «على قد فلوسهم». تغيب البعض عن العمل، أو غادره مبكرا للعمل في وظيفة ثانية تدر دخلا إضافيا. فتح آخرون الدرج لتلقي مساهمات المواطنين الإجبارية لتحسين دخل الموظف الحكومي. التدهور السريع في مستوى التعليم منذ الثمانينيات لم يكن سوى نتيجة لقرار جماعي اتخذه المدرسون للحصول - وهم في الداخل - على نفس الدخل الذي يحققه أقرانهم في الخارج النفطي، فحلت المجاميع والسناتر والدروس الخصوصية محل التدريس في الفصول.

كشف حساب الحقبة النفطية فيه إيجابيات وسلبيات. البيانات تؤكد أن مستويات المعيشة ودخول الأفراد تحسنت كثيرا في جميع بلاد المنطقة خلال سنوات الثروة النفطية. الناس الآن يعيشون عددا أكبر من السنوات، ويركب عدد أكبر منهم السيارات، ويستخدمون الهواتف، ويسكنون في بيوت أكبر، تصلها المياه والكهرباء. الأفراد في البلاد التي نجت من أعاصير الربيع العربي أفضل حالا عما كانوا عليه قبل هبوط ثروات النفط، لكن الأوطان ليست بالضرورة أفضل حالا، فالمجتمعات أصبحت أكثر انقساما وتفتتا، وثقة الناس في الحكومات واحترامهم لها أصبح أقل، وتفاؤل الناس بالمستقبل أصبح مشكوكا فيه. هذا هو كشف حساب الحقبة النفطية.

سيظل الشرق الأوسط منتجا للنفط حتى آخر يوم يحتاج فيه العالم لهذه السلعة الحيوية، لكن فوضى الحقبة النفطية وتسيبها لم يعد قابلا للاستمرار. سياسات الإصلاح الاقتصادي في كل دول المنطقة أصبحت ضرورة لا فكاك منها. لقد أصابت ثروات الحقبة النفطية المنطقة بالاضطراب، وسيكون خروجنا من هذه الحقبة سببا في اضطرابات جديدة، فلنكن مستعدين، ولنضع في كشف الحساب هذه المرة إيجابيات أكثر وسلبيات أقل.

نقلا عن الاهرام القاهري

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية الحقبة النفطية نهاية الحقبة النفطية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon