بقلم-نبيل عبدالفتاح
الحالة السياسية والحزبية فى عديد البلدان العربية تتسم بالسلبية، وعزوف شرائح اجتماعية وجيلية شابة عن الانخراط فى عضوية الأحزاب والعمليات السياسية والانتخابية، وذلك لعديد الأسباب من بينها فقدان الأمل فى أداء النخب السياسية، وبروز فجوة الثقة بينها، وبين الشباب، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وشيوع الإحباط من عدم قدرة السياسات العامة لبعض الحكومات على إحداث تحولات تنموية حقيقية فى المشهد المجتمعى العام، لاسيما فى ظل إغلاق المجال العام السياسي, من ناحية أخرى فرض إكراهات على حريات الرأى والتعبير والإبداع. بعض الأحزاب السياسية فى المنطقة العربية تأسست على قواعد مذهبية وطائفية تعبيرًا عن مصالح الطائفة أو بعض مكوناتها المذهبية وفق النموذج اللبناني، وتعيد الآليات الانتخابية والسياسية إنتاج مواقع القوة السياسية لهذه الأحزاب على ذات الأسس بقطع النظر عن خطابها السياسى حول الدولة اللبنانية، والحالة الطائفية وتعبيراتها الحزبية تسيطر على النموذج العراقى بعد دستور برايمر. هذا النمط الحزبى الطائفى يعيد إنتاج الانقسامات والتمايزات داخل بنية النظامين السياسى والاجتماعي، ويصعب بناؤه لأحزاب قوية عابرة للحدود الطائفية، على الرغم من قيام بعض هذه الأحزاب فى بناء تحالفات وائتلافات مع أحزاب مذهبية مماثلة أو ولاءات وتوافقات مع بعض الأحزاب من طوائف أخرى، وفق المثال اللبنانى وما تشير إليه الحالة العراقية.
بعض هذا النمط من الأحزاب الطائفية ذو ارتباطات إقليمية، وثمة أحزاب سلطوية تعبر عن النظام الحاكم ونخبته السياسية نشأت من أعلى على مثال الحزب الحاكم فى السودان، وغالبًا ما تعتمد على علاقات وشبكات مصالح بالسلطة، وتشكل داعما للنخبة السياسية المسيطرة على النظام. فى النموذج المصري. عقب العملية الثورية فى 25 يناير 2011، وأحداث 30 يونيو 2013 تشكلت بعض الأحزاب على نحو فوقي، وكانت تفتقر إلى القدرات التنظيمية ووضوح وواقعية وعمق البرامج السياسية التى أتسمت بالتشابه والاختلاط بين بعضها بعضًا ألا من الشعارات الأيديولوجية الصاخبة واللا واقعية للجماعات السياسية الإسلامية، وهو ما أدى إلى انتفاضة الجماهير ضدها.
عقب 30 يونيو 2013 تشكلت بعض الائتلافات البرلمانية الفوقية من أعضاء البرلمان وبعض الأحزاب تأييدًا لسياسات الحكومة وتشريعاتها، ولوحظ ضعف أداء بعضهم التشريعى والرقابي، نظرًا لافتقارهم إلى التكوين والخبرات والمهارات السياسية والحزبية. من هنا بديا لبعضهم مؤخرًا السعى إلى محاولة الخروج من حالة الموات السياسى والحزبي، من خلال إعادة بناء الحياة الحزبية من خلال تشكيل حزبين كبيرين من خلال إنشاء حزب حاكم، وحزب معارض وحوله مجموعة من الأحزاب الصغيرة.هذا الشكل من الهندسة الحزبية ذابع فوقي، وغالبًا ما يرث مثالب التشكيلات الحزبية الفوقية ومن ثم يفتقر إلى الحيوية السياسية والجماهيرية التى تولد من الحراك السياسي، والصراعات والتنافس الانتخابي، والحركة وسط قواعد وشرائح اجتماعية بطول البلاد وعرضها.
من هنا بدأ بعض أعضاء البرلمان فى الخروج من بعض الأحزاب وبعض الشخصيات العامة إلى الحزب المقرر أن يكون حاكمًا، وبعضهم انتقل إلى بعض المواقع القيادية المحددة له سلفًا، ومن ثم نحن إزاء تعيينات علوية لا تستند إلى اختيارات حزبية جماهيرية تعتمد على الديمقراطية الداخلية للحزب الذى انتقلوا إليه، ناهيك عن اعتماد الحزب على أغلبية برلمانية لأعضائه، مع احتمال تغيير نص المادة السادسة من قانون مجلس النواب التى تذهب إلى “يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل العضو محتفظًا بالصفة التى تم انتخابه على أساسها، فإن فقد هذه الصفة أو غير انتماءه الحزبى المنتخب على أساسه أو أصبح مستقلاً، أو صار المستقل حزبيًا تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس”. ويلاحظ أيضًا أن حزب الأغلبية المأمول المؤيد للحكم، لم يطرح رؤية وبرنامجا سياسياجديدا، وهو الذى دفع عديد أعضاء البرلمان من الأحزاب الأخرى، أو شخصيات عامة للانضمام إليه، ولا إجراء انتخابات داخلية، ولا بيان لهياكله ولقواعده الجماهيرية، وذلك كمدخل لإعادة الحيوية السياسية، والسؤال أى مستقبل المراد للوطن وما شكله؟ وما هى الأهداف المبتغاة لهذا المستقبل؟ كلها أسئلة وملاحظات تحتاج إلى إجابات، وإلا سيعاد إنتاج تجارب سابقة ذهبت مع رياح التغيير، وستتحول هذه المحاولات إلى عبء ثقيل على الحكم والقيادة السياسية