توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من الصداقة الفعلية إلى الصداقة الرقمية.. تمرين فى التفسير

  مصر اليوم -

من الصداقة الفعلية إلى الصداقة الرقمية تمرين فى التفسير

بقلم : نبيل عبد الفتاح

 نستمع بين الحين والآخر لبعض الملاحظات حول فتور علاقات الصداقة وتراجع الألفة، والاتصال المباشر، والمشاعر الفياضة، وتنميط لغة التعبير عن اهتمام الأصدقاء ببعضهم بعضًا حول مسارات حياتهم ومشاكلهم، وفى مسراتهم، أو أتراحهم، فى لحظات السعادة والنجاح والتألق المهنى فى العمل، أو فى الحياة الخاصة والأسرية، أو فى لحظات الحزن أو المرض أو الألم ... وغيرها من تجليات الحياة اليومية ووقائعها ومشاعرها، وذلك على نحو ما كان يحدث فى مسارات حياة الصداقة. الأمر لا يقتصر عليها فقط، وإنما تمتد الملاحظات الحاملة للشكوى وبعض الألم وتدفق الحنين إلى مشاعر وحياة أزمنة الماضى البعيد والقريب والمركب فى حياتنا، حول العائلة والأسرة والعلاقات داخلهم بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة بعضهم بعضًا وامتداداتهم إلى الأقارب. ما هى الأسباب التى أدت إلى فتور مؤسسة الصداقة فى حياتنا؟

اكتسبت مؤسسة الصداقة فى الماضى ثقلاً كبيرًا فى حياة الأشخاص لاسيما فى الريف لأنها كانت قريبة ومتداخلة مع العلاقات القرابية فى ظل العصبية التقليدية كالقبيلة والعائلة الممتدة، والجيرة، ومن ثم كانت تعتمد على روابط أولية أكثر عمقًا فى المدن الكبرى الكوزموبوليتانية، وتمدد التعليم، واتساع قاعدة العمل، وعلاقات الزمالة والمهنة ومن ثم تمايزت الصداقة كمؤسسة عن الروابط التقليدية، واتخذت طابعًا مركزيًا فى حياة المدينة وعلاقاتها، وأصبحت ذات خصوصية عن الزمالة والأخوة والقرابة والجيرة. ساعد على هذا التحول الانتقال إلى المجتمع الرأسمالي، مع بعض من الخلط والتشوش بين الأنانية والفردية، ونمو عمليات الفردنة ــ إنتاج الفرد كفاعل اجتماعى ومشيئة وإرادة ــ التى ساعدت على تبلور الوعى بالذات الفردية. هذا التحول تزامن مع استمرارية بعض أشكال الروابط القرابية والجيرية التقليدية، وتزايدت منذ عقد الستينيات من القرن الماضي، مع ظواهر الاستقطاب الحضري، وترييف المدن الكبرى ــ القاهرة والإسكندرية وغيرهما ــ وتمدد أنماط الروابط التقليدية إلى المدن، لاسيما مع نمو مضطرد للمناطق العشوائية.

نمط الصداقة الشخصية استمر بعض من ملامحه حتى أوائل القرن الجديد، وبدأت بعض التغيرات تعترى أنسجة الصداقة مع بعض التغيرات الموضوعية، ومنها تزايد الأزمات الاقتصادية، واللجوء الاضطرارى للعمل الإضافي، أو الهجرة إلى إقليم النفط، أو إلى أمريكا وأوروبا لبعضهم! من ناحية أخرى أدت ثورة التطلعات الاستهلاكية إلى ربط مفهوم السعادة بالسلع والخدمات وتملك العقارات والسيارات على نحو أدى إلى انخراط الأشخاص فى دوامات السعى إلى الحصول على الأموال بشتى الطرق، ومن ثم إلى تباعد لقاءات الأصدقاء المباشرة، وتحولت الصداقة إلى دائرة لتبادل الهموم والمشكلات والآلام.

مع بروز الهاتف المحمول، بدأت العلاقات والتفاعلات المباشرة بين الأصدقاء والأفراد عمومًا تأخذ أشكالاً جديدة عبر هذه الأداة الاتصالية الجديدة التى أخذت مساحات أكبر من نمط الاتصال المباشر بين الأصدقاء بعضهم بعضًا. من ثم تراجع مفهوم الصداقة على خريطة الزمن الفردي، من الزمن المتثاقل الذى يمنح الشخص وقت الفراغ الكافى الذى يعطى للأصدقاء اللقاءات وتبادل المشاعر المباشرة والهموم المشتركة فيما بين بعضهم بعضًا. مع أجيال الهاتف المحمول المتسارعة التطور والمجالات تقنيًا، أصبح الزمن سريعًا وكثيفًا ومتلاحقًا ومن ثم قل الوقت المتاح للصداقة المباشرة، لصالح نمط جديد يتمثل فى الصداقة الرقمية، على مواقع التواصل الاجتماعى ــ الفيس بوك وتويتر وانستجرام- وأصبحت مساحاتها واسعة ومتنوعة، ولم تعد قصرًا على علاقات شخصية مع بعض الأشخاص، وإنما اتسع نطاقها ليغدو كونيًا وإقليميًا وكل أرجاء الوطن وتعددت بين الرجال والنساء، واعتمدت على الاختيارات، وعلى سهولة بناء علاقات الصداقة الرقمية، وعلى إمكانية وسرعة إنهائها. لم تعد الصداقة الرقمية تحتاج إلى البوح الفردى المتبادل بين الأصدقاء، وإنما البوح بات عامًا، أو على دائرة الخاص، وأكثر سهولة ومباشرة. من ناحية أخرى أصبحت الصداقة الرقمية ذات طبيعة انكشافية، حيث الآراء والمشاعر واضحة. أدت الحياة الرقمية إلى انكشاف الذات ومعها انهيار مفهوم الخصوصية، وإلى أشكال شبكية فى علاقات الصداقة تختلف عن الصداقة الفعلية، وإلى مؤسسة رقمية للصداقة أوسع نطاقًا من علاقات الصداقة الشخصية. لم تعد الصداقة دائرة للستر أو للأسرار بين أطرافها، وإنما باتت متاحة أمام الجميع، وقابلة للاختراق من الآخرين، ومن بينهم دول وأجهزة أمن واستخبارات وشركات معلومات، ومنتجو السلع ومقدمو الخدمات. تم تسليع الصداقات وشبكاتها وأسرارها وميولها أيًا كانت، تم تسليع مشاعر الصداقة الرقمية. الأخطر هو ما يبدو فى خطاب الصداقة الرقمى ــ التغريدات وغيرها ــ حيث تنميط التعبيرات الدالة على الصداقة الرقمية، من خلال أشكال يتم استخدامها دلالة على التحبيذ أو الحب أو الحزن أو الدهشة أو الغضب، أو من خلال لغة نمطية خشبية، أقرب إلى الكلام الساكت. لغة جوفاء فى غالبها، وتعبر عن بعض من تنميط مشاعر الصداقة الرقمية الجافة. التضامنات فى الحزن والمشاركة فى المسرات لم تعد تعبيرًا فرديًا وطليقًا عن الذات، وإنما أصبحت محض شكل من الأشكال السابقة التجهيز. من هنا نستطيع القول إن مؤسسة الصداقة الرقمية الأوسع نطاقًا، والأكبر عددًا هى أحد أشكال التغير فى أفعال الإنسان الطبيعى وتحول بعضها إلى أفعال رقمية كنتاج لتطورات تقنية هائلة وسريعة ومتدفقة فى متغيراتها، وهى ظواهر تحتاج إلى ذكاء المتابعة رصدًا وتحليلاً لتأثيراتها على مألوف حياتنا الفعلية.

نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الصداقة الفعلية إلى الصداقة الرقمية تمرين فى التفسير من الصداقة الفعلية إلى الصداقة الرقمية تمرين فى التفسير



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon