توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا الكاشفة

  مصر اليوم -

سوريا الكاشفة

بقلم - أحمد يوسف أحمد

 فى مرحلة من مراحل الصراع السورى شاع مصطلح «سوريا المفيدة» كتعبير عن القلب الحيوى لسوريا استراتيجياً وديموغرافياً، وكنت أبغض هذا التعبير لما يعطيه من انطباع بأن أسداً قد اقتنص فريسة لا يقدر على التهامها كلها فاكتفى بالقطع الممتازة منها، ولعلى الآن أطرح مصطلحاً آخر هو «سوريا الكاشفة» على أساس أن تبلور الأوضاع فى سوريا على النحو الذى نراه أصبح كاشفاً لكل ما يجرى على الأرض العربية من تفاعلات محلية وعربية وإقليمية وعالمية، وأصبحت سوريا نموذجاً مصغراً بالغ الدلالة على «لعبة الأمم» وهى لعبة بغيضة لا تعرف إلا لغة المصالح, ولا يمكن لأحد أن يشارك فيها دون أن يمتلك أدوات اللعب التى لا تعرف إلا لغة القوة ولتذهب الاعتبارات القانونية والإنسانية إلى الجحيم، وإذا بدأنا بالصعيد المحلى فإن النظام السورى كنظم عديدة فى الوطن العربى نظام غير ديمقراطى ربما يكون قد حقق إنجازات ما لشعبه فى مجالات غير سياسية, أو تبنى مواقف وطنية أو قومية لكن ممارساته السياسية ألحقته بالنظم التى انتفضت عليها شعوبها لكنه كان أكثر استعدادا من غيره فلم يسقط كما سقطت بل إنه يبدو الآن أقوى من أى وقت مضى بعد أن كاد يخسر اللعبة قبل التدخل الروسي.

وعلى الصعيد العربى جرت تفاعلات النظام السورى فى بيئة عربية مفككة, خاصة فى أيام «الربيع العربي» وفيها عمد عدد من النظم صاحبة الإمكانات إلى التحرك ضد النظام السورى, ليس من قبيل الانتصار لشعبه وإنما لتصفية الحسابات مع نظام اتبع سياسات أحرجت تلك النظم، ولأنها لم تكن مخلصة لثورة الشعب السورى فقد صب تدخلها فى النهاية فى مجرى «عسكرة الثورة» بدعم تنظيمات مسلحة إرهابية أو شبه إرهابية ترفع بالباطل شعارات «إسلامية».

ولأن تلك النظم كذلك لم تكن على قلب رجل واحد فقد دبت الخلافات كثيراً بين ميليشياتها المتناحرة وكان فى هذا نهاية فعلية للثورة, فقد أصبح خصوم النظام أسوأ منه بكثير, وأصبح لهذا الأخير على الأقل فضل الدفاع عن كيان الدولة السورية التى كان تفككها ينذر بعواقب عربية وخيمة.

وعلى الصعيد الإقليمى كانت سوريا كاشفة كذلك للمدى الذى وصل إليه الاختراق الخارجى للنظام العربي، وجاء هذا الاختراق حيناً لمصلحة النظام السورى كما تمثل فى مساندة النظام الإيرانى وأتباعه وعلى رأسهم «حزب الله», وحيناً آخر ضده. كما تمثل فى التدخل التركى غير المباشر والمباشر الذى اتخذ أخيرا شكل الغزو الصريح بدعوى الحفاظ على الأمن التركى من خلال إجهاض أى احتمال لبزوغ كيان كردى على الأراضى السورية يمكن أن يكون فاتحة لتطورات خطيرة تلحق بأكراد تركيا ذاتها، أما إسرائيل فلها مع النظام السورى ثأران أحدهما يتعلق بمواقفه الممانعة فى الصراع العربي-الإسرائيلى, والثانى بدعمه «حزب الله», ناهيك بعلاقة النظام السورى بإيران.

أما على الصعيد العالمى فحدث ولا حرج عن «لعبة الأمم»، فقد بلغ الاختراق أوجه قبل «الربيع العربي» بسنوات بالغزو الأمريكى للعراق غير أن «موجات الربيع» وبالذات فى ليبيا وسوريا فاقمت من هذا الاختراق، فقد طلبت الجامعة العربية تدخلاً دولياً فى ليبيا, وطلب النظام السورى تدخلاً عسكرياً روسياً مباشراً، وفى البداية كان الجالس فى البيت الأبيض يتمتع بالرشادة فامتنع عن الانخراط فى اللعبة السورية اتعاظاً بما آل إليه غزو العراق ثم حل محله من أصبح يغير مواقفه كما يغير رباط عنقه, فكان أن بدأ وجوداً عسكرياً محدوداً فى سوريا وإن يكن فاعلاً لأن أحداً لا يستطيع القضاء عليه، وبدأ يعطى نفسه الحق فى «معاقبة» النظام السورى بحجة استخدامه السلاح الكيماوى كما حدث فى غارة «الشعيرات» وكأن إزهاق الأرواح بالأسلحة التقليدية لا غبار عليه.

وهكذا اكتملت الحلقة وأصبح جميع اللاعبين على الساحة لا تحكم تحركاتهم سوى مصالحهم وليذهب الشعب السورى -الذى يدعى الجميع أنهم يبذلون الغالى والنفيس من أجله- إلى الجحيم، ولهذا تغيرت التحالفات غير مرة كما يظهر بصفة خاصة فى السياسة التركية التى تبدو مثالاً فجاً على البلطجة السياسية وآخر تجلياتها موقفها من الضربة الثلاثية الأخيرة لسوريا.

ومع اقتراب معركة الغوطة من نقطة الحسم بدا أن النظام السورى وحلفاءه على وشك تحقيق انتصار, ولذلك كان لابد من عمل شىء فدُبرت المناحات على ما يجرى فى الغوطة فى الوقت الذى كانت تركيا تدك فيه «عفرين» دون أن يذكرها أحد بكلمة, ثم كانت المفارقة أن يُتهم النظام السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية فى الغوطة فى الوقت الذى بدأت علامات انتصاره فى الظهور بالاتفاق على خروج «جيش الإسلام».

ولا يدرى أحد لماذا يعرض النظام السورى نفسه لعقاب سبق أن تعرض له دون داع، ومن حق كل إنسان سوى أن يطالب بدليل على استخدام النظام السلاح الكيماوى لأنه ربما يكون قد استُخدم من قِبَل جهات معادية تريد أن تمنع وصول الصراع فى سوريا إلى نقطة النهاية لأسباب يعلمها الجميع، وتبدو المطالبة بالدليل أكثر من مشروعة على ضوء الكذب البواح الذى سبق الغزو الأمريكى للعراق بادعاء امتلاكه أسلحة دمار شامل.

ولأن «لعبة الأمم» بدت خطيرة فى هذه المرحلة فلا مانع من إخراج يتيح للجميع الحفاظ على ماء الوجه فيتم توجيه الضربة بعد فترة إنذار كافية تتيح التحسب لها، ولا بأس من توجيهها لأهداف محددة لا تصيب روسيا بأى ضرر مادى وإن تضررت معنوياً ولكن ليس إلى الدرجة التى تخرجها من اللعبة، ولا بأس من السماح لكل اللاعبين بالادعاء بأنهم حققوا أهدافهم وليكن الله فى عون سوريا الحبيبة وشعبها ولا عزاء للعرب فى أمنهم القومي.

 

 

نقلا عن الاهرام القاهريه

 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا الكاشفة سوريا الكاشفة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon