توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن المصير العربى المشترك

  مصر اليوم -

عن المصير العربى المشترك

بقلم - أحمد يوسف أحمد

ناقشت يوم الخميس الماضى الأفكار المنسوبة للدكتور يوسف زيدان التى تضمنتها كلمته بمناسبة افتتاح المنتدى الذى يحمل اسمه، وملخص هذه الأفكار أن القول بأن العرب يجمعهم تاريخ مشترك ومصير واحد ومساحة جغرافية واحدة محض أكاذيب، وقد تضمنت مقالة الأسبوع الماضى تعليقاً مخالفاً لهذا الرأى فيما يتعلق بوحدة الجغرافيا العربية والتاريخ العربى المشترك، وبقى أن أُعلق اليوم على أُكذوبة المصير المشترك، فقد تساءل الدكتور زيدان فى معرض إثبات زيف الادعاء بوجود مصير عربى واحد: هل الشخص الذى يعانى اليوم فى إقليم دارفور مثل الذى يشكو الملل فى بلد خليجى لأنه استنفد المتع جميعها؟ هذا عربى وذاك عربى لكن مصيرهما ليس واحداً، ولهذا فإن العرب لا يجمعهم سوى اللغة، وهى الضامن الوحيد لبقائهم فى الزمن القادم.

وكما هو واضح فإن التحليل السابق يوظف التناقضات بين بلدان الوطن العربى لدحض فكرة المصير المشترك، وهنا لابد من التذكير بأن هذه التناقضات موجودة داخل كل بلد، فإلى جانب صاحبنا الخليجى الذى يشكو الملل لأنه استنفد المتع جميعها يوجد خليجيون كُثر يعملون ويجدون من أجل ضمان مستوى معيشة لائق وبناء نهضة حقيقية فى أوطانهم تقيهم شر ما بعد النفط، وإلى جانب صاحبنا الذى يعانى أوضاعا بالغة القسوة فى دارفور توجد نخبة فاحشة الثراء بسبب الخلل فى النظام الاقتصادى وتغول الفساد، وينطبق هذا التحليل على البلدان العربية بل بلدان العالم كافة، ولو كانت التناقضات الاجتماعية تنفى المصير المشترك لما كان للدول بدورها مصير مشترك، وقد يؤثر الظلم الاجتماعى على قوة الشعور الوطنى أو القومى لكنه لا يلغيه بدليل أن التباينات الاجتماعية كانت موجودة دائماً لكنها لم تمنع العرب من التوحد فى وجه المخاطر الخارجية كما رأينا فى المقالة السابقة، وقد تشذ فئة قليلة هنا أو هناك لكننا نتحدث عن الاتجاه العام وليس على نحو مطلق.ولا شك أن الأوضاع العربية الراهنة بالغة التردى كما يبدو من مخاطر تفكك الدول الوطنية العربية وتفاقم الإرهاب على نحو غير مسبوق واشتعال التوترات بل الصراعات الطائفية والعرقية وبلوغ الاختراق الخارجى للوطن العربى ذروته إقليمياً وعالمياً وتغول الكيان الصهيونى على أرض فلسطين وشعبها، ولا تتناقض هذه الأوضاع المتردية بحال مع فكرة المصير المشترك، ذلك أن ما يعم الوطن العربى من ظواهر سلبية يصيب الجميع بأضرار فادحة أو يهدد بذلك، فقد يتصور البعض أن الخطر الداهم الذى يتهدد الدولة الوطنية فى بلدان عربية مهمة كالعراق وسوريا واليمن وليبيا محصور فى هذه البلدان، غير أن الخبرة تحدثنا عن «أثر الانتشار» فما يحدث فى الدولة اليوم يمكن أن يمتد إلى الدولة غداً، ولو أدركت الدول العربية التى تحاول زعزعة الاستقرار فى هذه الدولة العربية أو تلك أن هذا السيف يمكن بسهولة أن يرتد إلى نحرها لما فعلت، ولست بحاجة إلى الحديث عن امتداد سرطان الإرهاب من بلد عربى لآخر والتهديد الفادح الذى يمثله لهذه البلدان كما أن مخاطر الهيمنة الخارجية على البلدان العربية لا تخفى على أحد، وعبر التاريخ بما فى ذلك الحقبة المعاصرة كانت التحديات تتجه إلى المنطقة ككل ولا تُواجَه إلا على نحو جماعى فتنجح المواجهة إذا أُحسن التخطيط لها كما حدث فى حرب أكتوبر 1973 وتفشل إذا تمت على نحو عشوائى كما فى حرب فلسطين الأولى 1948.

لا ينبع المصير المشترك إذن من وحدة الرؤى وقوة العلاقات التعاونية فقط وإنما ينبع كذلك من أوضاع بنيوية ينظر الآخرون لنا بموجبها على أننا كل لا يتجزأ ويحاولون تشكيل أوضاعنا بما يلائم مصالحهم، كما فى الخطط الشرق أوسطية لصياغة مستقبل المنطقة، فإن استسلمنا لمحاولاتهم ضعنا كما حدث فى الحقبة الاستعمارية وإن قاومنا هذه المحاولات كانت الصحوة كما حدث فى مرحلة التحرر العربى عقب الحرب العالمية الثانية وحتى عدوان 1967، ولم تقم للعرب قائمة بعد الهزيمة فى تلك السنة إلا عندما قدموا نموذجاً غير مسبوق للعمل العربى الجماعى فى مواجهة التحديات، وهذا بالتحديد ما يجعلنا نعض بالنواجذ على ما يجمع بيننا لأن التفرق والاختلاف فى مواجهة التحديات هو أسهل الطرق إلى الضياع بينما يكون التوحد هو الطريق الآمن إلى المستقبل الأفضل، ويلاحظ أن التحليل السابق قد ركز على قضايا ذات طابع أمنى استراتيجى بينما يوجد بالإضافة إلى ذلك «المصير الاقتصادى المشترك» إذا جاز التعبير، فلا حل مضموناً لمشكلات التنمية العربية إلا فى إطار جماعى ولنأخذ مسألة الأمن الغذائى مثالاً فتحقيقه لكل بلد عربى على حدة مستحيل بينما يمكن الوصول إليه فى إطار خطة عربية شاملة، وقد يقول قائل إن الأوضاع الراهنة شديدة السوء وتتطلب عملاً مضنياً إذا ما أردنا النجاح لكن السؤال الاستراتيجى يتعلق بالهدف،

فعندما يصيب مرض عضال عزيزاً لديك لا يتعلق السؤال بصعوبة علاجه ولكن بضرورة العمل على شفائه، ولذلك فإن الموقف العربى الراهن لا يتطلب النواح على المصائب التى ألمت بنا وإنما العمل على إزاحتها.

يبقى أخيراً أن الدكتور يوسف زيدان شدد مشكوراً على أهمية اللغة كجامع للعرب باعتبارها «الضامن الوحيد لبقائهم فى الزمن القادم»، وليسمح لى بتعديل طفيف لكنه ضرورى فى الصياغة باستبدال كلمة الضرورى بكلمة الوحيد فعلى الرغم من أهمية اللغة لن تضمن وحدها بقاء الحقيقة العربية فى ظل أفكار تنكر كل ما يجمع بين العرب غير اللغة، ففى هذه الحالة لن يكون للغة العربية من أثر جامع للعرب أكثر من أثر اللغة الإنجليزية فى الجمع بين من يتحدثون بها من سكان المستعمرات البريطانية السابقة وبين مستعمريهم فى زمن بغيض.

نقلا عن الاهرام القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المصير العربى المشترك عن المصير العربى المشترك



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon