توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف نفهم الحراك السوداني؟

  مصر اليوم -

كيف نفهم الحراك السوداني

بقلم : عثمان ميرغني

من البديهيات المسلّم بها أن لكل بلد خصوصياته، لذلك يجوز القول إن الحراك السوداني الراهن الذي انطلق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليس «ربيعاً» متأخراً، ولا استنساخا له، ولا هو «ثورة فضائيات» ألهبتها تغطية وسائل الإعلام. الذين يبحثون عن توصيفات كهذه يخطئون في قراءة الحدث، وقد ينتهون إلى خلاصات لا تنطبق بالضرورة على الحالة السودانية، ولا تنصفها.
ثورة السودان ظروفها موضوعية، خاصة بالبلد، وبتراكمات 30 عاماً من حكم الإسلامويين الذي كان أسوأ تجربة تمر على السودان من حيث حجم الفشل، والتدمير الممنهج، والمعالجات الخاطئة، والفساد المريع، والقمع غير المسبوق. تجربة تصلح كحالة للدراسة عن فشل حكم هؤلاء وخواء شعاراتهم، وزيف خطابهم عندما يكونون في المعارضة، وبعد أن يتمكنوا من الحكم. 
غير ذلك للسودانيين تجربتهم الخاصة في الثورات التي كانت خارجة عن المألوف في أكتوبر (تشرين الأول) 1964، ثم في أبريل (نيسان) 1985. في الحالتين لم يستلهم الحراك السوداني شيئاً يحدث خارج حدوده، ولم يتوقع استنساخاً لتجربته. لذا ليس من الإنصاف أن يقال عن الحراك الحالي إنه تأخر سبع سنوات عن الربيع العربي، اللهم إلا إذا كان البعض ينظر إلى الثورات باعتبارها موضة للتقليد، من دون اعتبار لظروف كل بلد وأوضاعه. فحتى في حراكهم الأخير لم ينطلق السودانيون متأثرين بشيء يحدث خارج حدودهم، أو بعيداً عن ظروفهم.
من يريد تفسيراً لما يحدث اليوم عليه أن ينظر إلى سجل 30 عاماً من حكم نظام «الحركة الإسلامية» الذي أذاق السودانيين مرارات أوضاع لم يعرفوا لها مثيلاً في تاريخهم الحديث. ثلاثون عاماً أفقر فيها البلد، وواجه التقسيم بفقدان الجنوب ومرارات الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبإعلاء خطاب الجهوية والقبلية والعنصرية. ثلاثون عاماً دمر فيها الاقتصاد الوطني، ونهبت ثروات البلاد، وأصبحت نسبة كبيرة من المواطنين عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية بعد أن استفحل الغلاء، وانتشر الفساد، وانعدمت السيولة في البنوك، وانخفضت قيمة الجنيه السوداني حتى أصبح لا يساوي قيمة الورقة المطبوع عليها. فعندما جاء هذا النظام إلى الحكم كان الدولار يساوي 12 جنيهاً، وقالوا حينها إنهم لو لم يقوموا بانقلابهم العسكري لوصل سعر الدولار إلى 20 جنيهاً، وها نحن نراه اليوم يساوي 72 ألف جنيه. صحيح أن الأرقام الرسمية تقول إن الدولار يساوي 72 جنيهاً، لكن الناس يدركون أن النظام مارس التضليل بحذف ثلاثة أصفار في لعبة تغيير العملة. فالقيمة الشرائية للجنيه تفضح قيمته الفعلية، والأمر معلوم لكل الناس الذين يكابدون مشقة العيش وعناء توفير احتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ودواء.
في مقابل ذلك كان الناس يرون كثيراً من هؤلاء الإسلامويين والمنتفعين يعيشون في ترف وغنى غير معهود في ظل فساد بات مؤسسياً، وتسرب إلى كل مفاصل الدولة. ولحماية نفسه وجه النظام 80% من ميزانية الدولة للإنفاق على الأجهزة العسكرية والأمنية، بينما التعليم ينهار، والخدمات الصحية تتردى، والبطالة تتفشى بين الشباب.
هذه باختصار الظروف التي هيأت المشهد للثورة الماثلة أمامنا والتي تعتبر استكمالاً لسبع انتفاضات ضد النظام القائم من بينها انتفاضة سبتمبر 2013 التي قتل فيها قرابة المائتين من الشباب المتظاهرين برصاص ميليشيات النظام وكتائبه التي سلحها لحمايته وللبطش بخصومه. والواقع أن مقاومة نظام الإسلامويين بدأت منذ أن تكشفت هويته وأجندته، وتواصلت على مدى جيلين، واجهها النظام كلها بالبطش والقمع.
الجيل الذي خرج للثورة اليوم وشكل وقودها وعمادها، هو الجيل الذي ترعرع في ظل هذا النظام. عرف بطشه وقهره، وعاني أشد المعاناة في ظله. تعليم مترد، خدمات هالكة، معيشة قاسية، بطالة متفشية، أفق مسدود وأمل مفقود. كانت النتيجة الحتمية هي الخروج إلى الشارع في ثورة تحدت كل أساليب البطش والقمع، من الضرب المبرح بالخراطيم إلى استخدام الرصاص الحي، ومن الاعتقالات والمحاكمات إلى انتهاك حرمات الجامعات والبيوت لترهيب المواطنين. كل هذه الأساليب لم توقف الحراك بل زادته التهابا وقوة. فالناس كسروا حاجز الخوف، ولن تردعهم الآن محاولات «كتائب الظل» التي أطلقها النظام مع ميليشياته الخاصة الأخرى. والأهم من ذلك أنهم في مواجهة القمع حافظوا على شعاراتها الأساسية متمسكين بسلميتها وابتعادها عن أي عنف أو تخريب. 
الثورة الآن في مرحلة يصعب معها أي كلام عن احتمال تراجعها لا سيما بعد أن انحازت لها وحدات من الجيش يتوقع أن تلحقها وحدات أخرى، وبعد أن أعلنت الشرطة امتناعها عن التعرض للمحتجين. 
فالتراجع سيكون باهظ الثمن وسينتج نظاماً أكثر قمعاً يسيطر عليه المتشددون، ويقود إلى مرحلة من تصفية الحسابات، وربما إلى انشقاقات خطيرة في أوساط القوات النظامية. فأخطر ما يمكن أن يحدث للسودان هو أن ينجح الذين يريدون جر الأمور نحو مواجهات مسلحة، مثلما حدث في الهجوم المسلح على موقع الاعتصام الجماهيري أمام مقر قيادة القوات المسلحة في العاصمة وقاد إلى اشتباك بين وحدات الجيش التي انحازت للشعب وبين «كتائب الظل» المدفوعة من صقور النظام.
هناك مظاهر لخلافات شديدة داخل النظام، وعلى تشققات في صفوفه، على الرغم من وجود عناصر قيادية متطرفة تحاول الدفع باتجاه المزيد من العنف، وتسعى لخلق مبرراته بتحشيد من تبقى من أنصارها في مسيرة استعراضية مثل المسيرة التي دعوا لها اليوم، ويحذر بعض العقلاء من أنه قد يندس فيها بعض الغلاة المسلحين. هذه قد تكون المحاولة الأخيرة التي تزيل الغشاوة من أعين الذين فشلوا في قراءة المشهد في الشارع، ولم يستوعبوا هتافات الجماهير، ولا يريدون استيعاب حصاد فشل الثلاثين عاماً الماضية. 
اليوم ربما تصبح الصورة أكثر وضوحاً. فعندما يكون شعار «سلمية، سلمية» هو الأعلى من موقع الشباب المعتصمين أمام قيادة الجيش، سيعرف الجميع إلى أين تميل الكفة وتتجه الأمور.

 

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نفهم الحراك السوداني كيف نفهم الحراك السوداني



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon