بقلم - عبدالوهاب بدرخان
استاءت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من قرار النظام السوري إقامة علاقات ديبلوماسية مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية والاعتراف بانفصالهما عن جورجيا وإلحاقهما بروسيا. وبهذا القرار أرادت موسكو أن تقول من جهة إن سورية أصبحت إقليماً روسياً جديداً ومن الطبيعي أن تعترف بأقاليمها الشقيقة، ومن جهة أخرى تحدّت عدم اعتراف الأميركيين والأوروبيين بالإقليمين المنفصلَين (فضلاً عن ضمّ شبه جزيرة القرم) وقدّمت عينة من استغلالاتها الكثيرة القادمة لـ «الإقليم السوري». أما نظام بشار الأسد فيرى أن اللحظة حانت لانتهاز الفرص المتاحة لاستئناف ممارسة «شرعيته» دولياً، ولو من بوابتي أبخازيا وأوسيتيا أو ترؤسه مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح. وبعد مضي أعوام عدة على رئيس النظام وهو لا يزور إلا فلاديمير بوتين وحيداً ولا يُزار إلا من موفدي علي خامنئي ووفود لا مغزى لها أو أخرى حاملة رسائل سرّية، ها هو يعتزم زيارة حليفه العزيز كيم جونغ أون ليحثّه على ضم سورية إلى أوراق قمته مع دونالد ترامب، وسط غموض حول الجهة التي «سمسرت» هذه الزيارة وما إذا كانت روسية أو إيرانية.
ثمة خطوات حصلت أو هي قيد الإعداد لـ «إعادة تأهيل» نظام الأسد. فالمنافسة حادّة بين النمسا وألمانيا على تولّي هذا الدور دولياً، وتفترض الضرورة أن تتحرّكا تجاه موسكو لكن بالتنسيق مع واشنطن، غير أن سلّة «التأهيل» لم تكتمل بعد، فملفات انسحاب القوات الأجنبية وإعادة الإعمار والتسوية السياسية وعودة اللاجئين تنتظر المعادلة المناسبة والتوافقات اللازمة. أما الجانب الآخر لـ «التأهيل» فتحاول إيران تفعيله مع الدول العربية المنضوية قسراً أو طوعاً في معسكرها، مع التركيز حالياً على اتجاهَين: الأول، تطبيع العلاقة بين النظام وقطر ما لم يتعارض مع العلاقة القطرية- التركية. والآخر، تطوير الوصاية الإيرانية- الأسدية على لبنان عبر استخدام هيمنة «حزب الله» على الحُكم من خلال تحالفه مع حزب الرئيس ميشال عون والاستثمار في نتائج الانتخابات الأخيرة والتكتّل النيابي الموالي للنظام السوري. ويبدو تجنيس بضع عشرات السوريين وفلسطينيي سورية الأثرياء المرتبطين بالأسد ثمرة للوصاية المتجدّدة، فيما يأمل الرئيس اللبناني أن يتعاون النظام في إعادة اللاجئين إلى سورية.
لم يكن صعود خيار «تأهيل الأسد» صدفة بالتزامن مع الورشة الروسية لتوسيع رقعة سيطرة النظام والسعي إلى إخراج كل القوات الأجنبية، حتى أن إسرائيل لم تتردّد في إبداء عدم ممانعتها بقاء الأسد، بعدما كان هذا ولا يزال موقفها الضمني والعملي، وإذ اختارت الجهر به فلتشجّع الأسد على التجرّؤ إزاء إيران، وهي لم تُقدِم أخيراً على تهديده إلا في سياق المطالبة بخروج الإيرانيين من سورية لقاء أن يبقى في منصبه. تلك واحدة من المقايضات التي انفتحت سوقها لدى البحث في مستقبل منطقة خفض التصعيد في الجنوب الغربي، فالنظام أراد البناء على استعادته الغوطة للتوجّه جنوباً إلى درعا، وروسيا وجدتها فرصة سانحة لتحريك القطيعة بينها وبين الولايات المتحدة، وفرصة أخرى لإقفال الملف العالق مع إسرائيل في شأن التمدّد الإيراني نحو جبهة الجولان.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع