توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأجواء ملتهبة في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

الأجواء ملتهبة في الشرق الأوسط

بقلم : جميل مطر

أعرف المبعوث الأممى إلى ليبيا، أعرف غسان سلامة. أعرف عنه، ومنه، ما يجعلنى أولى خطابه الأخير فى مجلس الأمن ما يستحق من اهتمام لم أولِ مثله لخطب مبعوثين سبقوه إلى هذه المهمة. ألقى غسان خطابه وهو غاضب أشد الغضب. خشيت أن يخرج عن القراءة فيعلن بعض ما يكتم ويترك لهم القاعة والمهمة بأسرها ويخرج من ليبيا ولا يعود. لم يفعل. لم يفعل لأنه كان يعلم علم اليقين أن تخليه عن المهمة المكلف بها وحتى مع إعلان غضبه لن يفيد ولربما أضاف عقدة جديدة إلى قضية شديدة التعقيد. لعله أراد فى كلماته، وقد صيغت فى الخطاب منزوعة الانفعال، أن يقول فى نيويورك لأعضاء المجلس المسئول عن أمن العالم، لقد خدعتمونى حين وعدتم بدعمى، نواياكم لم تكن صادقة، وإرادة الفعل لم توفروها، سبقتكم إلى موائد المفاوضات أطماعكم فى ليبيا واشتغل بعضكم مثل غيركم ببيع السلاح وتنظيم الميليشيات وشراء الذمم وإفساد العقول.

سمعت غسان. كان يتكلم عن ليبيا. رحت أتخيل مجلس الأمن وقد قرر دعوة جميع مبعوثيه فى مختلف أقاليم العرب ليتكلموا ويتكلم مراقبون ومتخصصون آخرون بعد أن يتكلم المبعوث إلى ليبيا، وتساءلت هل سيكون الاختلاف كبيرا بين ما يقوله كل هؤلاء إن صدقوا وما قاله المبعوث الأممى إلى ليبيا.

***
اجتمعت قمم ثلاث فى المملكة العربية السعودية واعتقد أنها حققت الهدف الذى عقدت من أجله. ففى أعقاب قصف مواقع حساسة فى قلب المملكة وتخريب سفن راسية قرب موانئ إماراتية كان لازما للمصلحة الأمنية لدول الخليج وللمملكة السعودية ودولة الإمارات بصفة خاصة حشد أكبر تأييد ممكن للدول محل التهديد والعدوان وصياغة أكبر إدانة ممكنة للدولة الإيرانية التى هى مصدر التهديد كما يتصوره ويؤكده أصحاب الدعوة لعقد هذه المؤتمرات. صور هذه المؤتمرات والتغطية الإعلامية لها وعدد من وافق على المشاركة ومستوى الحضور وخطب المسئولين والبيانات النهائية، كلها أكدت استجابة الدول الصديقة والشقيقة إلى دعوة الالتفاف والتأييد، ولا أكثر.

أضفت «لا أكثر» لأعنى أن المؤتمرات الثلاثة لم تنعقد إلا من أجل هذا الهدف الكبير فى قيمته ولكن المحدود فى حيزه ومضمونه. لم يطلب من أحد تحريك قوات أو غلق حدود أو قطع علاقات أو التضحية بمصلحة كبيرة أو صغيرة من أجل تحقيق هكذا هدف محدود. لا شك عندى فى أن أصحاب قرار الدعوة إلى عقد هذه المؤتمرات الثلاثة اختاروا الهدف الهادئ لأنهم أدركوا ما أدركه المبعوث الأممى إلى ليبيا وغيره من المبعوثين ومراقبين ودبلوماسيين، أن الأجواء فى الشرق الأوسط غير مناسبة لانعقاد مؤتمرات بأهداف ثقيلة أو خطرة. لسنا فى حاجة لخبراء لاطلاعنا على حقيقة الأجواء فى الإقليم. أمامنا الحقيقة واضحة لمن يريد أن يراها، أما أنا فأراها فى أربع صور على الأقل هى:

أولا: صورة الغالبية العظمى من الدول المدعوة من الإقليم أو من خارجه وهى تمر بضائقة أو أخرى. بعضها مثخن بجروح عميقة خلفتها الحرب مع الإرهاب وبعضها عصرته العولمة وانكسارات النظام الرأسمالى العالمى فى آونته الأخيرة. بعضها فاقد الهوية، أو مثقل بحمل هويات متنافسة لا تقوى مؤسسات الحكم فيها والمجتمع المدنى على الفصل بينها أو على فرض التسامح على علاقاتها ببعضها البعض. مثل هذه الدول منهكة بعد بحث مستفيض عن حلول عاجلة جدا لمشكلات وأزمات لا تنتظر. منها أيضا ما أصبح فريسة سباق العمالقة نحو مناصب قيادة العالم، منها باكستان وأفغانستان وجيبوتى على سبيل المثال. هذه دول لا تحتمل التزامات جديدة.

ثانيا: صورة إقليم يلفه الاحتقان. تعبنا من محاولات الفهم والتبرير. أنشب الربيع أظافره الناعمة فاقتلعت لتعود فيما يبدو أقوى وأصلب عودا. ليس من المبالغة المفرطة القول بأن مظاهر الاحتجاج تعددت ومظاهر الرفض تعمقت، ومنها الرفض العام فى الإقليم للاختراق الإسرائيلى المستفيد من تدهور العلاقات فى منطقة الخليج. هكذا جاءت صفقة القرن متسللة تحت دخان الاحتقان فأضافت شكوكا وعمقت كراهيات، وما أقساه الكره المنغمس فى اليأس. هكذا تأتى أيضا طفرة الغاز فى شرق البحر المتوسط، تأتى محمولة على عدد عظيم من الشكوك المتبادلة ومحفوفة بأساطيل تتواجه استعدادا للاستيلاء على حقل هنا أو السيطرة على خط أنابيب هناك.

ثالثا: صورة أمم شتى تتشارك العيش فى هذا الإقليم منذ فجر التاريخ تعيش اليوم حالة الخوف من «تفلتات». واحدة من هذه «التفلتات» تكفى لتشعل النار فى كل أنحاء الإقليم. الناس فى مجالس أنسهم وداخل بيوتهم وفى مواقع عملهم وفى الشوارع وبعيدا عن الميادين يتحدثون بالهمس أو بالصراخ أحيانا عن «تفليتة» تقع فى مياه الخليج تصاب فيها بالضرر بارجة أو حاملة طائرات أمريكية فتنفتح على كل مصاريعها أبواب جهنم. أو عن «تفليتة» أخرى فى جنوب لبنان تتعمدها إسرائيل ولا يتغاضى عنها حزب الله كتغاضيه والقوات الإيرانية عن أعمال هجومية متعمدة من إسرائيل فى ضواحى دمشق. الناس فى السودان والجزائر يتوقعون بالقلق البالغ وقوع «تفليتة» بريئة أو شريرة فى نواح قريبة من مقر القيادة المسلحة بوسط الخرطوم أو فى ميدان بالعاصمة الجزائرية تطل عليه هيئة البريد. هل يعقل أن يقبل الناس العيش طويلا فى مثل هذا الاحتقان المتجدد منذ سنوات عديدة وفى ظل توقع «تفليتات» بين لحظة وأخرى، واحدة منها تكفى ليشتعل الشرق الأوسط حربا هائلة لسنوات عديدة قادمة، يخرج منها «شىء» آخر أو مسخ مبتكر فى شكل نظام إقليمى جديد.

رابعا: صورة يصعب رسمها على الورق أو نقلها إلكترونيا بهدوء وبدون مبالغة، صورة إقليم يقف على أبوابه من يزعمون امتلاك حسن النية وكلهم فى الحقيقة أشرار. أرى هناك دونالد ترامب وجون بولتون وجاك بنس وجاك بومبيو وستيف بانون وقد سبقتهم مواقف ورؤى ومعتقدات حذرتنى مبكرا من نواياهم. كبيرهم يتعمد السخرية من بعض حكام العرب أمام ناخبيه، يعنى يستخدمنا بشكل يؤذى العلاقة فى المستقبل بين الشعب الأمريكى والعرب. فعلها مرارا ويصر عليها. لا أعتقد، من موقعى كمراقب، أننى أستطيع أن أثق بنواياه تجاه مصالح العرب حكاما وشعوبا حتى إذا التزم وأقسم. أزداد اقتناعا حين أرى فى ركابه جون بولتون الذى من تاريخه ووثائق حياته وأقواله أستطيع أن أحكم بأن كره هذا الرجل للعرب يزيد أضعافا مضاعفة عن كره أعتى الكارهين للعرب من اليهود الصهاينة فى دائرة صنع القرار الأمريكى وبخاصة بعد أن انضم إليهم فريق جديد من الممولين والمقاولين الصهاينة. يكرهنا جون بولتون ويتمنى لو أتيحت له الفرصة مرة ثانية ليعلن حربا فى المنطقة ضد شعب آخر غير الشعب العراقى. كان وأعوانه السبب فى معلومة زائفة أودت بالعراق وأودت معها بأحلام شعوب أخرى إلى الدمار. وهو يحاول الآن فالإقليم جاهز للتدمير.

***
أتمنى أن تكون القمم الثلاث حققت الهدف الذى اجتمعت من أجله، وأتمنى أن تعقد مرات عديدة، يتخصص كل انعقاد لقضية من تلك القضايا التى تصنع هذا الاحتقان فى أجواء الشرق الأوسط. نعرف أن جميع قضايا الشرق الأوسط نافذة على بعضها البعض. تظن أن واحدة منها تنفرد بدولة فإذا بها جذر أصيل لقضية فى دولة أخرى أو فرع من فروعها. لا تأملوا خيرا فى الدول الكبرى ومؤسساتها الدولية فهى فى أحسن الأحوال قادرة على إحباط الجهود الخيرة، وغسان سلامة آخر الشهود على سوء ما فعلت وتفعل.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأجواء ملتهبة في الشرق الأوسط الأجواء ملتهبة في الشرق الأوسط



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon