توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مستقبلات عربية

  مصر اليوم -

مستقبلات عربية

بقلم : جميل مطر

عشت بعض سنين حياتى بين العرب. قابلت سياسيين من كل لون وطعم ورائحة. قابلت سياسيين فى الحكم وسياسيين فى المعارضة. سمعت من كبارهم وصغارهم على حد سواء نظريات فى التقدم والمستقبل تفوق فى العدد وسعة الخيال كل ما سمعت من أقرانهم فى دول أخرى زرتها. رأيتهم وهم يحتفلون بانتصارات بعضها من صنع خيال إعلاميين وخيالهم، ورأيتهم فى لحظات انكسار. كنت شاهدا على شعوب مؤمنة بما اختاره حكامها، وشاهدا أيضا على شعوب، وأحيانا هى نفسها غير راضية عن حكامها، وأحيانا عن نفس الحكام الذين سبق وحصلوا على الرضا.

جاء وقت عرفت فيه كثيرا من السياسيين فى الحكم أو خارجه يخفون عن عمد هوياتهم الأولية أو عن حق لا يهتمون بها. قليلون، باستثناء ساسة لبنان، كانوا واثقين من أن التمسك بالهويات الأولى فى خطابهم السياسى أو فى تصرفاتهم الشخصية عقبة فى وجه صعودهم. للحق يجب أن نعترف أن معظم سكان هذا الإقليم اختاروا فى لحظة معينة صفة العروبة تأكيدا لنيتهم الاستقلال عن النفوذ التركى المنكسر على كل حال وصدًا للنفوذ الغربى الزاحف بإصرار والمحتل أراضيهم. اجتمع هؤلاء السكان على أن تكون صفتهم عربية، وقرر الحكام فى لحظة تاريخية أن يقيموا منظمة إقليمية تحمل هذه الصفة تأكيدا لالتزامهم هذه الهوية. خافوا على استقلالهم الوليد وسلطتهم فوضعوا فى مواثيقها وتقاليد عملها عديد القيود التى تضمن بقاءها عند الحد الأدنى، لا تتجاوزه. لم تخيب الجامعة العربية آمال الأباء المؤسسين، وبخاصة أملهم فى أن تكون لدولهم صفة أوسع أو أكبر من الصفات التى فرضتها عليها ظروف جغرافية واجتماعية محلية.

اليوم، ورغم جهود محمودة من جانب قيادات فكرية بثت خلال مسيرتها فى عروق الأمة صدقية دولية وجهود أيضا محمودة من جانب قيادات إدارية وتنظيمية حافظت على وجود المنظمة وحاولت بكل الصبر والاقتناع خلق مصلحة لدى الدول الأعضاء فى استمرار هذا الوجود، أستطيع القول إن الجامعة تمر الآن رغم كل الجهود الصادقة فى مرحلة صعبة أعتقد أنها لن تخرج منها سليمة. تأكدنا ونحن نراقب انحدارها على مر السنوات الأخيرة أنها لم تكن مزودة بالحصانة اللازمة للتعامل مع أوضاع خلفتها أحداث الربيع العربى. «المشهد العربى» كله يؤكد أن الدول العربية، أو أغلبها، واجهت أو ما زالت تواجه صعوبات جمة فى التعامل مع التغييرات التى تسببت فيها هذه الثورة والأعمال والسياسات والحروب المناهضة لها، ويؤكد بالتالى خطورة الشروخ التى أصابت مختلف المنظمات الإقليمية بل والعمل العربى المشترك بشكل عام. وقد تظل نقطا سوداء محفورة فى تاريخها الأدوار التى أجبرت على القيام بها ضمن ردود الفعل غير المحسوبة جيدا من جانب عدد من الدول العربية.

ومع ذلك استمرت الجامعة العرببة موجودة وإنْ محددة الوظائف ومقيدة التصرفات، ولكنه الاستمرار الذى يحمل فى طياته مختلف الاحتمالات، هى احتمالات معتمدة على احتمالات مماثلة بدأ بعضها يواجه النظام الإقليمى نفسه. سمعت مسئولين من العرب يحتجون على كثرة تردد سؤال بعينه من باحثين وإعلاميين. هؤلاء يسألون عن موقف الدول العربية من الجامعة العربية فى حال وجدت هذه الدول مصلحة لها فى أن تكون لاعبا فى نظام إقليمى آخر، شرق أوسطى مثلا. أو فى حال قررت إقامة مشروعات تكامل اقتصادى دولية أو إقليمية تأتى على حساب مشروعات تكامل عربى وإن متوقفة. أو فى حال الدخول فى حلف عسكرى أو نزاع مسلح طويل الأمد مع دول من خارج المنظومة العربية وينتج عنه تهديد مباشر لأمن واستقرار دول أخرى فى داخل هذه المنظومة، دول لم تستشر ودول لم يحسب حسابها.

*** 
إقامة نظام إقليمى جديد أو تحديث نظام قائم مهمة ليست هينة ولدينا فى تجربتى الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى ما يكفى لإقناع المترددين. مبدئيا يحتاج الأمر إلى تحقيق شروط من بينها ما هو غير متوافر فى الوقت الراهن ولن يتوافر بالبساطة التى توافر بها عند إنشاء جامعة الدول العربية. من هذه الشروط: 

أولا: وقف الاشتباك الناشب بين الهويات لصالح هوية النظام الجديد قبل الانضمام إليه. لن ننسى أن العرب أجمعين دفعوا ثمنا باهظا حين أدى الاشتباك العنيف بين هويتين فى العالم العربى خلال الحرب الباردة العربية بين من سموا وقتها بالتقدميين والمحافظين إلى شل الجامعة العربية وتعطيل مسيرة التكامل والأمن القومى. ثانيا: استعادة كينونة الدولة وثقتها بنفسها ومستقبلها وكلها أضيرت فى مرحلة العولمة ضررا جسيما. كادت الدولة منذ ذلك الحين تفقد سيادتها على أراضيها وشعبها ومصالحها ففقدت أو كادت تفقد بالتالى ثقتها فى الآخر وفى أى مبادرة تقترح التنازل عن جزء من السيادة فى سبيل أمن أو رخاء أوفر. ثالثا: وقف تخبط أو تضارب السياسات الاقتصادية للدول المرشحة لعضوية النظام. لقد كان من أسباب ضعف النظام الإقليمى العربى وانحداره المتسارع فى السنوات الأخيرة تنفيذ دولة أو أكثر مشاريع إصلاح اقتصادى اعتمدت التقشف وتوصيات المؤسسات الدولية، وبالتالى أثرت سلبا على برامج التعاون الإقليمى ومشاريع البنية التحتية فى العالم العربى. رابعا: الانتباه إلى ضرورة تسوية النزاعات بين دول الإقليم، وبخاصة تلك النزاعات التى تثير قضايا هوية أو مشكلات تتعلق بظروف النشأة. لم ينهض النظام العربى بمسئولياته ولم يحقق الأحلام التى ألقيت على عاتقه بسبب اعتقاد بعض الحكام فى أحقيتهم فى التدخل فى شئون دول أخرى، وبدعوى أنهم أقدر وأكفأ أو بدعوى التزام رفعة الدين أو قدسية الرسالة القومية. خامسا: تفادى عسكرة النظام الإقليمى الجديد أو القديم فى حال اتخذ قرار تجديده. أقصد بالعسكرة انشغال حكومات هذا النظام الإقليمى بدرجة فوق المألوفة بالأمور العسكرية مثل سباقات التسلح وبناء جيوش المرتزقة والتدخل عسكريا خارج الحدود والسماح لدول أجنبية بشن حروب بالوكالة أو حروب مباشرة كالحرب على العراق باعتبارها النموذج الأمثل على حرب كادت تودى بنظام إقليمى إلى الفناء. المقصود بالعسكرة أيضا الأعمال الحربية وسباقات إقامة القواعد الجارية فى القارة الإفريقية، وجميعها شرط كاف لإفشال النظام الإفريقى وإحباط منظمته الإقليمية.

قصد بالعسكرة أيضا المبالغة فى توظيف واستخدام قوى الأمن الداخلى إلى الحد الذى يتوقف عنده تلقائيا أو غضبا أو قسرا العمل المدنى. أظن أنه بات مفهوما أنه لا فلاح لمشروع تكاملى أو تحديثى لم يبذل فيه العمل المدنى الجهد المناسب والإبداع العلمى الضرورى. بات مفهوما أيضا أنه لا انتصار نهائيا وحاسما فى مشروع لم يشترك فى التحضير له العمل المدنى وبخاصة السياسى. سادسا: قام النظام الإقليمى العربى فى حماية أو بسبب وجود توازن قوى إقليمى. وأظن أنه لن يقوم بعده أو فى محله نظام إقليمى جديد أو نظام عربى مجدد إلا عندما يقوم ويتأكد توازن قوة بين قوى النظام. أزعم أن هذا التوازن الذى يمكن أن يكون بمثابة الأساس غير موجود حتى الآن، لم يقم وإن تعددت المحاولات وأغلبها باء بالفشل.

***

أسئلتنا إلى المسئولين عن مستقبل النظام الإقليمى العربى وجامعته العربية كثيرة وصعبة. بأى حال لا يجوز أن تكون كثرتها أو صعوبتها عذرا يمنع المصارحة حول آمال الطبقة السياسية العربية فى مستقبل النظام العربى، بمعنى آخر عذرا يمنع الحديث المكشوف عن مستقبل العرب، مستقبلى ومستقبلك.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبلات عربية مستقبلات عربية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon