بقلم - عبدالناصر سلامة
مقتل الفتاة المصرية «مريم»، بعد سحلها من جانب عشر فتيات بريطانيات أمام المارة، فى مدينة توتنجهام البريطانية، ليس حادثاً إرهابياً من وجهة النظر الغربية، تماماً كما حادث إضرام النار فى مسجد «قوجة سنان» بالعاصمة الألمانية برلين، لا البريطانيون انتفضوا للحادث الأول، ولا كان منتظراً أن ينتفض الألمان للحادث الثانى، القتيلة فى الحادث الأول مصرية عربية، كما الحريق فى الحادث الثانى فى دار عبادة للمسلمين، هذا هو الموضوع باختصار، ما يقع بفعل مواطن عربى يندرج على الفور تحت بند ما يسمى «الإرهاب الإسلامى»، وما يقع بفعل مواطن غربى هو حادث فردى لا يرقى حتى إلى اهتمام وسائل الإعلام، ولا حتى اهتمام المستشفى، الذى أهمل منذ اللحظة الأولى علاج «مريم»، على حد قول والدها!!.
أكذوبة كبيرة عشناها على مدى العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، منذ ما بعد الغزو السوفيتى لأفغانستان، واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية العناصر العربية فى الجهاد الأفغانى فيما بعد، وظهور ما يسمى «القاعدة» وغيرها من الجماعات وصولاً إلى ما يسمى «داعش» الآن، التى تم إعدادها فى سجن جوانتانامو الأمريكى أيضاً، وهو الأمر الذى جعل العنصرين العربى والإسلامى فى موقف المدافع طوال الوقت عن عقيدتهما لإثبات أنها عقيدة سلام، وتحيتها هى السلام، وأن ما يسمى «الإرهاب»، إنما هو رد فعل لهذا الغزو السوفيتى، وذلك الاحتلال الإسرائيلى، وهذا الافتراء الأمريكى، وذلك الانحياز الغربى، ناهيك عن سنوات طويلة من الاستعمار، ونهب ثروات الشعوب المستضعفة.
مقتل الفتاة المصرية «مريم» فى عز الظهر، على يد عنصريين أو عنصريات بريطانيات، دون أن يتدخل أحد من المارة فى الشارع، كما حرق مسجد قوجة سنان فى ألمانيا تماماً، هى مجرد نماذج لكيفية الكيل الغربى بمكاييل مختلفة فيما يتعلق بتعريف الإرهاب، وتعريف العنصرية، فى الوقت الذى قامت فيه قيامة بريطانيا وكل الغرب الآن فى أعقاب تسمم جاسوس روسى كان يعمل لحساب المخابرات البريطانية، وسط شبهات تحوم حول دور روسى فى هذه القضية، وهو ما يؤكد أن العملية برمتها فى حاجة إلى إعادة نظر.
بالعودة إلى التاريخ فيما يتعلق بالقتل والإبادة والإرهاب، سوف نتوقف أمام قتل 79 مليون شخص على يد الصينى ماوتسى تونج، قتل 50 مليون شخص على يد السوفيتى جوزيف ستالين، مقتل 40 مليون شخص على يد الألمانى إدولف هتلر، قتل 15 مليون شخص من شعب الكونجو على يد البلجيكى ليوبولد، قتل 3 ملايين شخص على يد الكمبودى بول بوت، وصولاً إلى قتل مليون شخص فى العراق على يد الأمريكى جورج بوش الابن، ومثلهم فى أفغانستان، وغيرهم هنا وهناك.. ليس بين هذه الأسماء شخصية عربية ولا شخصية إسلامية.
أيضاً يجدر بنا التذكير بأن عدد الأفارقة السود، الذين نقلهم المستعمرون الأنجلوسكسون من القارة السمراء إلى أمريكا، ضمن عملية تجارة العبيد فى القرن السابع عشر، قرابة 60 مليون شخص، قُتِل منهم نحو 40 مليوناً أثناء نقلهم فى سفن أشبه بالسجون، بسبب المرض والتعذيب والغرق والانتحار، يقول «جون نيوتن»، أحد قباطنة سفن العبيد: «كنا نصفِّد العبيد من أقدامهم بسلسلة واحدة، ونحشرهم على رفوف كأنها التوابيت فى قاع السفينة مع الفئران والجرذان، التى كانت تمتص جراحهم، وكنا فى كل صباح نستيقظ لنجد الميت والحى مصفدين معاً فى قيد واحد».
أمريكا تحديداً لها باع طويل فى القتل والإبادة، وهى ظاهرة مستمرة حتى الآن. منير العكش، الباحث فى علوم الإنسانيات، فى كتابه «أمريكا والإبادات الجماعية»، قال إن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء، وبُنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان، بينهم 18.5 مليون هندى، ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، ودمرت قراهم ومدنهم، وقد وصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها «أضرار هامشية لنشر الحضارة»!!، وخاضت- فى إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق- 93 حرباً جرثومية شاملة، وتفصيل هذه الحروب أوردها الكاتب الأمريكى «هنرى دوبينز»، فى كتابه «أرقامهم التى هزلت»، فى الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التى أُبيد بها الهنود الحمر، 41 حرباً بالجدرى، 4 بالطاعون، 17 بالحصبة، 10 بالأنفلونزا، 25 بالسل والدفتيريا والتيفوس والكوليرا.
الغريب أنه فى عالمنا العربى، أصبحنا نتعامل مع الإرهاب الغربى، كما السياسات الغربية سواء بسواء، هو إرهاب من نوع خاص، إرهاب جميل، لا نعترض عليه، ولا نُعيره اهتماماً، سوف نكتشف أن وسائل الإعلام المصرية أفردت مساحات واسعة لقضية الجاسوس الروسى، لا ترقى إليها أبداً مساحة الاهتمام بقضية الفتاة المصرية، سوف نكتشف أن وسائل الإعلام العربية لا تهتم بعدد القتلى والمشردين واللاجئين السوريين بصفة يومية نتيجة القصف الروسى والأمريكى فى آن واحد، قدر اهتمامها بتغيير وزير الخارجية الأمريكى، دون الإشارة إلى أنه كاره وناقم على كل ما هو عربى، أو حتى الاحتجاج على تعيين مديرة لوكالة الاستخبارات، لها تاريخ قذر فى التعذيب بسجن أبوغريب بالعراق.. الصبر يا رب.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية