توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قضيتى هى الثقافة

  مصر اليوم -

قضيتى هى الثقافة

بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى

 هل أنا فى حاجة لذكر الأسباب والدواعى والمناسبات التى تفرض علينا أن نتحدث عن الثقافة وأن نعطيها أولوية تستحقها فى المطالب والقضايا الحيوية التى تشغلنا فى هذه الأيام العصيبة؟

إن كل ما حولنا يذكرنا بغياب الثقافة. وكل ما حولنا يذكرنا بحاجتنا الملحة إليها.

يكفى أن ننظر فيما آلت إليه لغتنا القومية حتى ألسنة النخبة التى تمثلنا فى كافة الميادين وعلى صفحات الصحف والكتب الصادرة فى الدور الكبرى. وأن نتأمل ما صرنا إليه فى حياتنا اليومية. فى الشارع القانون غائب، والخروج عليه هو القانون الذى يلتزمه الجميع. الركاب، والمشاة، والمتسولون، والباعة المتجولون. والجمال غائب. والقبح حاضر. والنفايات متراكمة. والأصوات ضوضاء ينخرط فى صنعها الشارع كله. أبواق السيارات، وأصوات الباعة، وميكروفونات الزوايا المحشورة بين المحال التجارية والعمارات السكنية.

وقد يستغرب البعض أن نستدل على غياب الثقافة بما يجرى فى الشارع، لأن الثقافة فى نظره علم وفكر وفنون وآداب نجدها عند من يشتغلون بها ونتلقاها عنهم فى الكتب والمسرحيات والمعارض والأفلام، أما الشارع فساحة مفتوحة للحياة اليومية والنشاط العملى الذى يختلف بطبيعته عن النشاط الثقافي. لكن أصحاب هذا الرأى يجهلون حقيقة الثقافة، لأنهم يحصرونها فى مجال محدود ويعزلونها عن الحياة ويميزون فى الإنسان بين وعيه وسلوكه ويحولون الثقافة الى ترف لا تطلبه إلا قلة قليلة فبوسعنا بناء على هذا الرأى أن نستغنى عن الثقافة ونلتفت لما تحتاج له الأغلبية ويهم رجل الشارع.

مثل ماذا؟

توفير الحاجات الأساسية. الطعام، والمسكن، وفرصة العمل، والأمن كيف؟ بالاستدانة، ورهن الأمتعة والبحث عن كفيل وتغيير اللهجة والتنكر فى الخف والجلباب والحجاب والنقاب؟ أم بالموت غرقا فى القوارب المطاطية على شواطئ البحر الجنوبية والشمالية؟ أم بالقتال تحت رايات الشيخ بديع والشيخ القرضاوى والسلطان أردوغان وأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي؟

إنها كلها صور من صور الهروب واليأس والانتحار نفقد فيها هويتنا ونخسر مستقبلنا الذى لايكون مضمونا لنا جميعا إلا بنهضة جديدة نبنيها بثقافة وطنية وإنسانية جديدة تملى علينا سلوكنا فى البيت والشارع، ويتكامل فيها القول والفعل والعلم والفكر والفن والأدب كما تتكامل فى الإنسان طاقاته وحواسه وملكاته.

القوانين العلمية قبل أن يكتشفها أصحابها كانت ألعابا فى الطفولة وأحلاما فى الشباب. والعقل الذى يمارس نشاطه بالمنطق والبرهان لايمكن أن ينفصل عن العواطف والذكريات والآمال والآلام والرغبات والمخاوف. ونحن لا نستطيع أن نتصور نشاطا علميا منفصلا عن النشاط الفني، أو إنتاجا أدبيا معزولا عن الثقافة القومية التى هى شرط لوجود الأمة وما يصدر عنها من إبداعات فردية وجماعية. والذين يحصرون مطالب رجل الشارع فيما يحتاج إليه جسده ويجعلون غذاء الروح والعقل احتكارا لنخبة محدودة يظلمون رجل الشارع ويظلمون الثقافة ولايعرفون أنها بدأت من رجل الشارع، وأقصد به الأمة مجتمعة قبل أن تصبح نشاطا خاصا يمارسه المتخصصون فيه. ونحن نعرف الآن أن «الشوقيات» هى القصائد التى نظمها شوقي، وأن مسرحية «أهل الكهف» كتبها توفيق الحكيم، لكننا لانعرف شيئا عمن كتب «ألف ليلة وليلة». نعرف أنها ليست عمل رجل واحد وإنها إبداع جماعى شارك فيه كثيرون ينتمون لأجيال عديدة وبلاد مختلفة. والذى نعرفه عن «ألف ليلة» نعرفه عن السير الشعبية وعن الملاحم اليونانية التى تنسب لهوميروس وإن اكتملت بمشاركات أخرى كان الجمهور طرفا فيها. ثم إن هناك حقيقة أخرى يتجاهلها الذين يعتبرون الثقافة ترفا زائدا عن حاجة رجل الشارع، وهى أن رجل الشارع إن كان يفتقر لثقافة حية يعرف بها العصر ويعيش فيه ويتفاعل معه وينال ما يحتاج إليه بدنه وروحه وعقله فهو فريسة لثقافة أخرى تغيب وعيه وتهمشه وتحوله إلى كائن عاجز لايبالى بشئ ولا يمتثل لمبدأ أو قانون. إن الأسوأ من غياب الثقافة الرفيعة هو حضور الثقافة المنحطة. والقضية التى نتحدث عنها ليست إذن سهلة، والمشكلة مركبة نحتاج لأن نواجهها فى صورتها السلبية المتمثلة فيما هو شائع وسائد من الخرافات والأوهام والتقاليد البالية والعادات السيئة نكشفها ونحاصرها ونتخلص منها بقدر ما نستطيع، ونواجهها فى صورتها الإيجابية، فنشجع الإنتاج الثقافى الرفيع، ونضمن له حرية التعبير عن نفسه، ونفسح المجال أمامه ونفتح طريقه إلى الجمهور، ونفتح طريق الجمهور إليه. وبهذا الحوار الحى تزدهر الثقافة وينهض المجتمع ويتحرر ويترقي. وبدونه يكون العكس. لأن الثقافة الرفيعة لن تزدهر والمجتمع لن ينهض ولن يترقى ولن يتحرر فى وجود الثقافة المنحطة التى تملك الكثير لتضمن لنفسها البقاء والغلبة مستعينة بالكثير الذى تملكه وتستخدمه. تستخدم الجمهور الواسع الذى توارثها جيلا بعد جيل. وتستخدم الدين، وتستخدم النظم الحاكمة المستبدة التى تستخدم بدورها هذه الثقافة التى تكبل الناس بالقيود وتجعلهم رعية مستسلمة للحاكم تسمع له وتطيع. وعلى أساس فهمنا هذا للثقافة وللدور الفاعل الخطير الذى تؤديه فى حياة البشر أفرادا وجماعات نتناول أوضاعنا الثقافية الراهنة. ونحن على يقين من أنها منبئة عن أوضاعنا فى مختلف المجالات. وهذا ليس مجرد منطق وإنما هو واقع نعرفه بحواسنا الخمس. فإذا كان حقا ما أقول فقضية الثقافة ليست قضية فئوية أو مكتبية أو نقابية تخص المشتغلين بالنشاط الثقافي، وإنما هى قضية قومية تهم كل المصريين الذين يحتاجون أشد الحاجة لنهضة قومية جديدة لن تتحقق إلا بنهضة ثقافية جديدة يدعونا لها فى كل يوم داع جديد ومناسبة جديدة.

فى هذا العام، إذا أسعفتنى الذاكرة، تحل الذكرى الستون لإنشاء وزارة الثقافة، هل تذكرت الوزارة عيد ميلادها؟ وماذا أعدت للاحتفال به؟ هل استعدت له بإحصاءات وبيانات وأعمال وعروض تضع فيها أيدينا على أوضاعنا الثقافية الراهنة؟ وهل دعت لمؤتمر ونظمت ندوات تناقش فيها هذه الأوضاع؟ إنها مناسبة جديدة تفرض علينا أن نراجع أوضاعنا وننقذ ثقافتنا. ولهذا أشرت إليها. لأن قضيتى فى هذه المقالة وفيما يليها هى الثقافة وليست وزارة الثقافة.


نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضيتى هى الثقافة قضيتى هى الثقافة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon