توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحرية والحقوق ما بين نطاقيها العام والخاص

  مصر اليوم -

الحرية والحقوق ما بين نطاقيها العام والخاص

بقلم - عزمي عاشور

 الحرية في مفهومها المطلق قد تحمل اعتداءً كبيراً على حريات الآخرين، كما أن التطرف في استخدام الحق قد يؤدي إلى ضياعه. وتظهر، من وقت إلى آخر، أحداث تبرز هذه الظواهر على السطح، منها منع فرنسا ارتداء البوركيني على شواطئها، والذي تبعه إصدار مجلس الدولة الفرنسي حكماً بوقف قرار المنع. وكذلك حظر النمسا ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وهناك أمثلة أخرى على النوعية ذاتها من الممارسات التي تظهر التضاد والصدام ما بين الحرية في ممارسة الحق والقوانين التي تحافظ على النظام العام.

وهذه الوقائع تعكس حالة من النفور من كل ما هو إسلامي بسبب الحوادث الإرهابية البشعة التي ارتكبها مسلمون في قلب عواصم الحضارة الغربية كباريس وبروكسل على مدار السنوات الماضية. والسؤال، هل هذا مبرر لتطرف مضاد، سواء في إساءة استخدام الحرية أو التعمد في إبراز الرمزية الدينية؟ فالضحية هنا هي الحرية كقيمة وما يتبعها من خلق ثقافة لممارسة الحقوق في شكل طبيعي والحفاظ عليها.

وقضيتا النقاب والبوركيني إذا كانتا ظهرتا في المجتمعات الأوروبية في هذا الشكل المفتعل فإنهما تعكسان مع غيرهما من القضايا المتشابهة في شكل كبير ما يحدث في المجتمعات العربية من جدل مع منظومة قيم الحرية وما يرتبط بها من حقوق، والتي لم يتم حسم التعاطي معها بعد، خصوصاً مع تسيد ثقافة الرمز الديني وإعطائها الأولوية في الطغيان على الحقوق، والأمثلة كثيرة كان أبرزها إصدار محكمة الإسكندرية للقضاء الإداري في العام 2016 حكماً عكسَ هذا الخلط ما بين الحقوق في نطاقيها العام والخاص، بإغلاق قاعة أفراح كانت قريبة من مسجد لتشويشها على المصلّين. وأهمية هذا الحكم لا تظهر في إنصافه المسجد في حد ذاته وإنما في قيمة عدم التعدي على الآخرين وهم يؤدون عبادتهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. كما تأتي أهمية هذا الحكم من أنه يصدر في مجتمعات أصبح فيها الجهل بمعنى الحرية سمة عامة يتم باسمها التعدي على حقوق الآخرين سواء مادياً أو معنوياً.

ويمكن القياس على هذا الحكم في حالات كثيرة كمثال لاستخدام المجال العام الذي يبدأ من حيث تنتهي حقوقك أنت بالتعدي على الآخرين. فمن منا لا يتأذى من الشارع الذي يحتل رصيفَه أربابُ المحلات أو مِن القمامة التي تُترك عنوة فيه، أو من السلوك الوحشي لقائدي المركبات في الطرق العامة؟ أليس في هذه الحالات اعتداء ينطلق من الخاص إلى العام؟

وماذا عن الانتهاك المرتبط بثقافة التدين التي يساء استخدامها بمنطق إساءة استخدام قيمة الحرية؟ فمثلما انتصرت محكمة القضاء الإداري بغلق صالة أفراح لقربها من مكان للعبادة، فإن السؤال، ما هو موقفها من الميكروفونات التي ترفع من الزوايا والمساجد وعلى مسافات متقاربة تتبارى في إقامة الصلوات وإلقاء الخطب من دون مراعاة لحرمة الناس ومشاعرهم في بيوتهم ومحالهم، ويمكن أن يكون من بينهم مرضى ومَن ينشدون الهدوء، ومن هم على ديانة أخرى؟ وهل المطلوب من الذي يؤدي صلاته في هذا الشكل الفولكلوري أن يوقف حال الآخرين ليرهبهم ويعلمهم بأنه يؤديها. أماكن العبادة هذه، أليست هي المسؤولة في شكل ما عن إفراز الخطاب المتطرف؟ وأليست هي المسؤولة في هذا الشكل عن انتهاك حرمة الآخرين بإزعاجهم وإرهابهم وهم في منازلهم؟ الحقوق هنا لا تتجزأ، فمثلما لا يرضى أحد بالتشويش على أماكن العبادة، فإن في المقابل يجب أن تلتزم هذه الأماكن بالمبدأ نفسه، فكونك تؤدي الصلاة ليس مدعاة لأن تنتهك حقوق الآخرين.

مثل هذه الأحكام ذات أهمية لكونها تناقش فلسفة الحقوق التي اختصرها المجتمع بما يمليه عليه من يفتون ما بين مسارين: إما الحرام أو الحلال، فباسم الأول كم من حقوق تُنتهك وباسم الثاني كم من حقوق تضيع، وكم هناك من العنصرية التي يتعامل بها هؤلاء مع من يرونهم وفقاً لعقيدتهم أو للفتاوى التي يتبعونها؟

فكرة القانون في ذاتها هي طريقة للتهذيب ووضع حدود ما بين حقوق الفرد وغيره وحقوق المجتمع أو الدولة كما جاء في العقد الاجتماعي. وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون القانون عادلاً بالمطلق، بل أحياناً في سبيل تطبيق القاعدة القانونية يُظلم أفراد، وأبرز الأمثلة على ذلك قانون التظاهر في مصر الذي صدر عقب سقوط حكم جماعة «الإخوان»، بهدف منع التظاهرات التي كانت تلك الجماعة تحرض عليها ضحايا، وفق مخطط كانوا يقومون فيه بإفشال الحكم الجديد في سبيل عودة رئيسهم، فكان طبيعياً أن يطبق القانون على الجميع بمن فيهم شباب من الثورة لم يرتكبوا عنفاً ولا تخريباً، فسجنوا «ظلماً» تنفيذاً للقانون. كما يجب التمييز ما بين الأحكام التي تصدر بناء على تنفيذ القانون وبين القانون نفسه، فالأحكام في مجملها قد تصدر لمخالفة القانون، وأيضاً تظهر تفصيل الحقوق ومتى تبدأ ومتى تنتهي. والنهضة المجتمعية معيارها الأساسي فهم هذه الحقيقة وإدراكها في تفاعلات البشر في ما بينهم داخل المجتمع ومع مؤسسات الدولة التي يعيشون فيها. أما تمييع فكرة القانون بقصرها على الشكل السياسي فقط فيقتل جوهر الحقوق.

* كاتب مصري

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرية والحقوق ما بين نطاقيها العام والخاص الحرية والحقوق ما بين نطاقيها العام والخاص



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon