بقلم - أمينة خيري
سائق التوك توك، ابن الـ14 والـ17 والـ20 والـ25 عامًا ضحية؟.. نعم، بكل تأكيد. لم يجد أسرة تعى قيمة الطفل فأنجبته كما أنجبت سبعة أو ثمانية أو تسعة غيره ليكون كل منهم مصدر دخل إضافى.
بائع الرصيف الذى يعرض بضاعة منخفضة أو معدومة الجودة تحمل أخطارًا صحية ويشغل رصيف المارة ضحية؟ نعم، بكل تأكيد، فهو تسرب من مدرسة وربما لم تطأ قدماه أرضها أصلاً، وارتأى أو ارتأى أهله أن تجارة الرصيف أقيم من علم لا ينفع.
بائعة الجرجير والبطاطا المتمركزة على الرصيف المواجه لإحدى السفارات فى حى الزمالك الراقى سابقًا، المتجرع كأس العشوائية حاليًا والتى تمدد نسلها خلال السنوات السبع الماضية بحفنة من الأطفال والتى تجد نفسها مهددة من قبل رجال أمن يكرون تارة وتفر تارة ضحية؟ نعم، بكل تأكيد لأسباب متطابقة لما سبق ذكره.
وقد ذُكِر فى كتب الأولين وعُرف فى دروس المتخصصين أن المجتمعات لا تقوم على طبقة واحدة دون غيرها. وكما أن الطبقات الكادحة والفئات المهروسة من حقها أن تحيا ومن واجب الدولة أن تحميها، فإن الطبقات المتوسطة من حقها هى الأخرى أن تحيا ومن واجب الدولة أن تحميها. أما أن تجرى عمليات ممنهجة لشيطنة الطبقة المتوسطة، وتحميلها مغبة التمدد العددى الرهيب والتدنى المعيشى الصريح فهذا خطير. وأن يخرج علينا من يلوح بمرزبة الطبقية والاتهام بالفوقية كلما اشتكى قاطنو منتصف الهرم الطبقى من فوضى أو عشوائية أو توغل لثقافة العشوائية فهذا مقلق.
وقد انتابنى قلق بالغ بينما أطالع عشرات التحقيقات الصحفية التى كتبها صحفيون وصحفيات غالبيتهم المطلقة من الشباب، وقد أجمعت كتاباتهم على شيطنة القابعين بعيدًا عن خط الفقر مع إضفاء هالة من الملائكية المطلقة على كل من قاد توك توك أو تاجر على الرصيف أو اختص بشؤون الجرجير.
فرق كبير بين تسليط الصحافة الضوء على الطبقات المهمشة والفئات الأولى بالرعاية وتفنيد مشكلاتهم والمطالبة بوضع حلول لمعاناتهم وبين الاكتفاء بتصويرهم باعتبارهم ملائكة المجتمع الظالم الطاغى. فرق كبير بين مهمة الصحافة فى البحث عن جذور المشكلات من أجل الوقاية التى هى خير من العلاج، وبين الاستمرار فى علاج الفروع المريضة والأوراق المنهكة.
وقد أنهكت الطبقة المتوسطة تحميلها ما لا يحتمله بشر. ضرائبهم مخصصة لرعاية الأسر التى اختارت أن تنجب «قرطة» عيال. سياراتهم نصف العمر عليها أن تتجرع مرارة خبطات التكاتك المارقة والتروسيكلات الطائشة لأن سائقيها مساكين وغلابة. بيوتهم عليها أن تتحمل غزو بائعى الأرصفة ومحتلى الشوارع لأنهم لم يجدوا من يحنو عليهم. وإن تضرروا أو تململوا فإن تهمة الفوقية جاهزة فورًا.
ليس هكذا تصح المجتمعات أو تتقدم الدول. الرعاية مطلوبة والتكافل واجب، لكن معاقبة من اجتهد وتعقل ليبتعد عن خط الفقر فيها سم قاتل.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع