بقلم - أمينة خيري
إنهم يوثقون «الاتصال» فى الهند. ويعمقون انتشار الهواتف المحمولة الذكية فى المناطق الفقيرة والمعدومة. ويدشنون البرامج الحكومية والأهلية من أجل تحقيق «الاتصال» فى أرجاء الهند ذات الـ 1،3 مليار مواطن بنسبة مائة فى المائة. والغاية ليست تمكين الـ 1،2 مليار من التقاط الصور السيلفى فقط، أو مشاهدة مقاطع «شاهد قبل الحذف» فقط، لكن لأهداف أخرى تتراوح بين تحقيق المشاركة السياسية وتوصيل المطالب الشعبية ومحاربة الفقر ومساعدة مستخدمى هذه الهواتف للخروج من دائرة الفقر.
الفقر ظل منظومة لصيقة بالهند على مدى عقود طويلة. لكن هاهى الهند تفقد مكانة الصدارة لتحتلها نيجيريا بدلاً منها. وبحسب إحصاءات عام 2018 الواردة فى «ساعة الفقر الدولية»، فإن عدد من يعيشون فى فقر شديد فى الهند بلغ نحو 71 مليونًا، أى نحو خمسة ملايين هندى يرزحون فى منطقة الفقر البالغ. وتفوقت عليها نيجيريا ب87 مليونًا. ليس هذا فقط، بل إن أعداد من يعيشون فى فقر مدقع فى الهند آخذة فى الانخفاض، حيث الاقتصاد ينمو بوتيرة أعلى من نمو عدد السكان (عقبالنا).
الأدهى من ذلك أن استمرار معدلات نمو الاقتصاد الهندى بالوتيرة الحالية يعنى أنه بقدوم عام 2020، فإن ثلاثة فى المائة فقط من سكان الهند سيبقون تحت خط الفقر، وهو إنجاز لو تعلمون عظيم.
جانب من عظمة الإنجاز يقوم على فكرة «الاتصال». اتصال النساء الريفيات ببعضهن البعض، وبمقدمى الخدمات المختلفة من قروض متناهية الصغر والتدريب وسبل إدارة مشروعاتهن الصغيرة وتسويقها وتقديم الحلول السريعة للأزمات بات مكونًا رئيسيًا من التوجه الرسمى الهندى.
هؤلاء النساء اللاتى تدعم كل منهن أسرة كاملة يشكلن المكون الرئيسى لبرنامج ضخم تشاهد تنويهاته وإشاراته فى كل مكان.
الجميع يتحدث هنا فى نيودلهى عما قدمه «الاتصال» للفقراء. وزير تكنولوجيا المعلومات الهندى رافى شانكار براساد شرح كيف أصبح البسطاء يحجزون مواعيد العيادات الطبية، وقروض البنوك وسدادها وتسويق منتجاتهم الزراعية أو اليدوية والحصول على الدعم فى الأزمات والنصح والإرشاد فى مشروعاتهم متناهية الصغر عبر تطبيقات على هواتفهم المحمولة.
من جهة أخرى، يتواصل ملايين المزارعين مع الجهات الحكومية وغير الحكومية للحصول على المعلومات الخاصة بمحصولاتهم وبيعها وتوزيعها فعليًا عبر تطبيقات على هواتفهم.
المثير أن نسبة كبيرة من هذه التطبيقات مصممة بطريقة تسمح للأميين بالتعامل معها، إذ لا تتطلب معرفة القراءة.
قراءة ما يدور فى أروقة قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الحكومية وفى القطاع الخاص تصيب المتابع بالدوار. فبالإضافة إلى ما حققته الهند خلال العقدين الماضيين من إنجاز يصل حد الإعجاز فى هذا القطاع بدءًا بنهج شامل لتوفير الحلول الرقمية مروًا بتحولها مركزًا للصناعات التقنية الذكية وانتهاء بكون سوق الاتصالات فيها ثانى أكبر سوق فى العالم، فإنها مقبلة حاليًا على عصر ال5G تصنيعًا واستخدامًا.
هذه التقنية لا تتوقف عند حدود السيارات ذاتية القيادة، ولا تعنى سرعة تصفح الإنترنت تفوق سرعة ال4G الحالية بمائة مرة فقط. لكنها تعنى تحول المدن التى نعرفها لتصبح مدنًا لم نعهدها من قبل. إنها المدن بالغة الذكاء: تغطيات لاسلكية داخل المبانى، خرائط افتراضية على زجاج السيارات، فيديوهات ثلاثية الأبعاد ومنها ما يستخدم فى الطب، أنظمة استشعار فى الزراعة، طيارات ذاتية القيادة، شبكات طاقة ذكية وأشياء كانت وراء الخيال فى طريقها لأن تتوسط الواقع وتتربع فى قلبه.
إنها الهند كما لم نعرفها من قبل وكلمة السر «اتصال»!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع