بقلم : أمينة خيري
المناقشة الكلامية المحتدمة بدأت بتدوينة استنكارية كتبها أحدهم على سبيل «فش الغل» على «فيسبوك». كتب «هل يعقل حتى تصلى التراويح أن تمنعنى من الخروج بسيارتى؟، هل من المنطقى أن يكون جزائى أننى أوقف سيارتى موازية للرصيف كما هو منصوص عليه على اللافتة الإرشادية، فأعود لأجد ثلاثة صفوف إضافية من السيارات تجعل خروجى بها لقضاء مشاويرى أمرًا فيه استحالة؟، هل يرضى ذلك الله سبحانه وتعالى؟». وأنهى الرجل المستاء بالحسبنة المعتادة على كل من تسبب فى تعطيل أموره وحرق أعصابه.
العجيب والغريب أن أسئلة الرجل المستاء الذى اضطر إلى أن يستقل سيارة أجرة حتى ينجز مشواره قوبلت بفيض من الغضب والعصبية من قبل جموع المؤمنين والمؤمنات، وذلك بدءًا بـ«وهى يعنى النصف ساعة صلاة التراويح هى التى دمرت لك اليوم وخربت لك مواعيدك؟ اتق الله!»، مرورًا بـ«ده شهر فى السنة يا أخى استحمل شوية»، و«لماذا لم تستثمر الوقت بدلاً من إضاعته فى كتابة هذا البوست المستفز وتنضم إلى المصلين؟!»، وانتهاء بالحسبنة المضادة لأنه حسبن على المصلين المقيمين صلاة التراويح بينما هو معرض عنها!.
صحيح أن أصواتًا خافتة عبّرت على استحياء أن الصلاة لا تعنى أن نغلق الطريق ونعطل المصالح إلخ، إلا أن التوجه العام فى التعليقات جاء مستنكرًا استياء الرجل وداعمًا غلق الطريق لا سيما أن التراويح تأتى مرة واحدة فى العام، وأن ثوابها أكبر مليون مرة من مليون مشوار كان يتحتم على صاحب السيارة المستاء أن يقوم بها.
المؤمنون الوسطيون فى هذا التراشق الحوارى المهيب اقترحوا أن تقوم وزارة الداخلية بإعلان الشوارع المحيطة بالمساجد مناطق مغلقة أثناء صلاة التراويح وذلك (فيما معناه) أن يكون الداخل على علم بأن دخوله لا يعنى بالضرورة خروجه، وعلى من يدخل فى هذه الحالة أن يتحمل النتائج.
وقد ذهب البعض إلى حد الشطحان فى الحكمة والخبلان فى الموعظة مؤكدًا أنه فى بلاد الغرب حيث تحترم الحقوق وتبجل الأديان حتى وإن كانت الغالبية لا تدين بها، يتم إغلاق الشوارع وقت صلاة الجمعة احترامًا للإسلام ومحبة فى المسلمين، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا مثلاً فى مسيرات حصلت على إذن مسبق من الجهات المختصة، ويتم إخبار المواطنين بخط سيرها مسبقًا عشرات المرات وبعد التأكد من أنها لن تعوق السيولة المرورية.
السيولة الإيمانية التى تعترينا هذه الآونة تنبئ لا بضرورة تجديد خطاب دينى، لأن السائد حاليُا ليس خطابًا بالمعنى المعروف، ولا تدل على دعوة لإعمال العقل أو ترجيح المنطق لأن كليهما فى غيبوبة تامة.
لكن الغيبوبة الأكبر والتساؤل الأعظم يدور حول إذا ما كان للقانون دور فى مثل هذه الأحوال، بمعنى آخر، هل لإدارة المرور مثلاً أو المحافظة رأى مرورى أو إشغالى فى مثل هذه المواقف، أم يعد ذلك شكلاً من أشكال معاداة الدين ومحاربة المتدينين؟!.