بقلم : أمينة خيري
بعيدًا عن الحرب الدائرة رحاها حول المشهد الدرامى لمسلسلات رمضان هذا العام من حيث الإنتاج والمستوى والتوزيع وأحادية المصدر، تستوقفنى طريقة الكلام السائدة والمفردات المستخدمة ومخارج الألفاظ والنطق. هذا الكم المذهل من الشرشحة النسائية والبلطجة الذكورية، وتلك الطريقة المزرية فى التطجين فى الكلام، والتفوه بمخارج ألفاظ وطريقة نطق للحروف تذكرنا بشخصية «اللمبى».. قرار من؟.. بمعنى آخر، مَن الذى قرر أن يقدم صورة المصرى وكأنه إما بلطجى عتىّ فى الإجرام، أو مدمن غارق فى الكيف، أو فهلوى غبى، أو «سايق الهبل على الشيطنة» متخذًا من شخصية «اللمبي» مثلًا أعلى؟ ومن الذى قرر أن تكون المواطنة المصرية الحق هى تلك التى تفرش الملاية، وتغرف من نبع الردح، وتستوحى أردأ ما يتردد فى الشارع من ألفاظ وأقبح ما نعانى منه من عبارات لتردده؟ وبدلًا من معايير الجودة الفريدة التى يستخدمها البعض فى تقييم الأعمال الفنية الرمضانية، لماذا لم يستوقف أحدًا هذا السيل الهادر من السوقية فى الكثير من المسلسلات التى تُعرض هذا العام، والذى يعد استمرارًا لأعوام سابقة.. وهى ليست سوقية عادية تهدف إلى جذب المشاهدين عبر الشرشحة بأعلى الصوت والبلطجة والتطجين فى الكلام حتى تاهت مخارج الألفاظ بشكل جعل من شخصية «اللمبى» سيبويه النطق؟!. وسواء كانت الدراما تنهل من الشارع لتقدم فنًا واقعيًا، أو تبالغ فى القبح وتفرط فى المسخ الدائرة رحاهما حولنا من باب الإبداع غير المقيد، فإن ما يعنينى هنا هو مساهمتها فى ترسيخ منظومة السوقية التى تحيط بنا من كل صوب، فعلًا وقولًا وجوهرًا ومنظرًا.. وللعلم، فإن السوقية المقصودة هنا لا تتوقف عند حدود الشتائم والسباب أو الألفاظ الخارجة، لكن ما هو أخطر وأقبح منها هو أسلوب الحياة السوقى، الذى تحول إلى أمر عادى ونمط لا يزعج كثيرين.
هناك أجيال بأكملها خرجت معتقدة أن الطبيعى فى الذكر أن يبلطج فى أفعاله، ويطجن فى كلامه، ويصفع النساء والفتيات فى محيطه على وجوههن كلما غضب أو انفعل. هذه الأجيال تعتقد أيضًا أن الأنثى شرشوحة بالفطرة، وأن عليها أن تغطى جسدها وشعرها وتكشف كل عوراتها الأخلاقية والسلوكية لتكون أنثى مصرية متكاملة الأركان. مرة أخرى، لا أتحدث عن القصة، أو البناء الدرامى، أو الحبكة الفنية، أتحدث عن أسلوب الحياة الذى وصمنا وفضحنا ونُصِرّ على الاستمرار فى ترويجه وتسويقه محليًّا وخارجيًّا، وكلنا فخر بمحتواه الدميم. ليس المطلوب رقابة، لأننا لسنا فى زمن الرقابة.. وليست الغاية العودة إلى «بونسوار يا هانم» و«ميرسى يا إكسلانس».. وليس الغرض إصدار الأحكام على المسلسلات المعروضة من حيث القصة والأداء.. لكن ألا يستحق 100 مليون مصرى تفكرًا وتدبرًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فوضى أخلاقية ضربت شوارعنا، وعشوائية سلوكية أمرضت شبابنا وأطفالنا، وسوقية مجتمعية تحولت إلى أسلوب حياة؟.. نريد 100 مليون فضيلة مع الصحة، لأن صحتنا الأخلاقية فى خطر بالغ