بقلم : أمينة خيري
هذا الكم من الخير وقنوات العطاء- التي يمكن للمصريين الأكثر حظًا والمغرومين بعمل الخير أن يشاركوا من خلالها لمد يد العون للأقل حظًا- مذهل حقًا. وهذا الخير يسلط عليه شهر رمضان الضوء من خلال هذا الكم المذهل من الإعلانات، التي تدعو إلى التبرعات والتكافلات والمساهمات والتكاتفات وغيرها. قد يكون رمضان هو موسم الخير، لكنه بالطبع مستمر طيلة العام.
وطيلة العام نتابع قصص الغارمات.. أفراد، النسبة الكبرى منهن نساء، تضطرهن ظروف الحياة، وأضيف إليها بعض عادات وتقاليد المجتمع التي أكل عليها الزمان وشرب وبال، إلى الاستدانة وإمضاء إيصالات أمانة أو شيكات بالمبالغ التي يتعذر سدادها، وهو ما يؤدى إلى سجن المستدينة أو الغارمة.
والغارمات قصصهن متطابقة: تركها زوجها وأرادت أن تُزوِّج ابنتها الكبرى، ضربها زوجها وأرادت أن تشترى «تليفزيون» وغسالة لبيتها، زوجها غير قادر على العمل وعريس الابنة الصغرى هدد بفسخ الخطبة إن لم يتم توفير جهازها، تُوفِّى زوجها تاركًا لها سبعة أبناء وبنات فقررت أن تُزوِّج البنات وترسل الأبناء للعمل على توك توك أو ورشة، وهلم جرا. وجرت العادة أن نسمع قصص الغارمات ونذرف معهن الدمع وتنفطر قلوبنا لأجلهن. لكن ربما يمكننا بعد تجفيف الدموع وإصلاح القلوب أن نمد لهن يدًا أكبر وأعمق، حتى وإن كانت أصعب من العون. وبصراحة شديدة، فإن منظومة «الجهاز» و«القائمة»- وأثاث الغرف الثلاث لزوم زواج الابنة الكبرى، والأجهزة الكهربائية ومحتويات الـ«نيش» شرط زفاف الابنة الوسطى، والطقم الصينى واللحاف الماليزى والعباءة التايوانى فرض كتب كتاب الابنة الصغرى وغيرها من تضييقات إتمام الزيجات- يجب أن تتم مواجهتها مجتمعيًا.
وبدلاً من الاستمرار في معالجة الآثار الناجمة عن المرض، وإنفاق الملايين لمداواة الأعراض الجانبية له، لماذا لا نواجه أصل المشكلة: حملات توعية، محتوى مدرسى، برامج إعلامية، سفراء نوايا حسنة لوقف مهزلة تحرير شيكات وإيصالات لإرضاء مجتمع لن يرضى عنك ولو تم تنفيذ حكم الإعدام فيك شنقًا؟!. من جهة أخرى، فإن نسبة كبيرة من قصص الغارمات التي تقطع القلب تدور حور جهاز الابنة، وحين تبحث في التفاصيل تجد الابنة في الـ16 أو الـ17 أو الـ18 من عمرها، وهذا إن دَلّ على شىء، فإنما يدل على أننا نشجع ونروج وندعم زواج الطفلة، بالإضافة إلى أن ساكنًا لا يتحرك لدينا فيما يختص بتسرب هؤلاء البنات من التعليم والتخلص من عبئهن عبر الزواج. والعروس الطفلة بالطبع ليست ابنة وحيدة، فلديها أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة إخوة، وهو ما يستدعى المزيد من سكب الدموع وانفطار القلوب. لكنه يستدعى أيضًا يقينًا بأن تضافر جهودنا لسداد دَيْن الأم وإكمال زواج الابنة سيؤدى كذلك إلى استمرار حلقة الفقر والاستدانة والزواج المبكر إلى ما شاء الله. الحل يكمن في علاج المشكلة وليس مداواة الآثار الجانبية فقط. على المغرومين بعمل الخير مساعدة الغارمين والغارمات بالتوعية أيضًا.