بقلم : أمينة خيري
لا يخفى على أحد تلك التناحرات الدائرة رحاها «من تحت لتحت» تارة، وعلى «عينك يا تاجر» تارة أخرى بين من يعتبرون أنفسهم حماة حمى الدين ورعاة التدين من جهة وبين من فاض بهم الكيل من الحشرية باسم الدين، ونشر الجهل والجهالة تحت شعار التدين والتمسك بتلابيب نسخة أواخر سبعينات القرن الماضى من التفسير المغلوط للإسلام.
الإسلام الذى بات محط أنظار العالم يعانى معاناة مريرة من أفعال المتدينين الجدد. أصبح الإسلام فى بؤرة اهتمام العالم فى السنوات الأخيرة وكأن المسلمين عجبة، وكأن تدينهم عجيبة من عجائب الدنيا.
والأمر لم يعد محصورًا فى «داعش» وجماعة الإخوان وأبناء عمومهما من جماعات أخذت على عاتقها (أو تم دفعها من قبل آخرين لو كنا من المؤمنين بنظرية المؤامرة) مهمة تشويه الدين، وجعله يبدو وكأنه «أشكيف» قادم من العصور الوسطى. فهو إن لم يقم بعمليات القتل والنحر والتفخيخ والتفجير والتهجير والرجم والحرق، فهو يأخذ على عاتقه مهمة تصعيب وتعسير تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة على المسلمين.
أعرف البعض من الأصدقاء والصديقات من «المتدينين الجدد» الذين يقولون بأنه كلما ضيق المسلم على نفسه، واتبع أصعب الطرق وأكثرها وعورة فى سبيل نيل الجنة، كان إلى الله أقرب وفى درجة أعلى من درجات الإسلام. إحدى القوائم التى يجرى تدويرها عنكبوتيًا لاختبار درجة التدين تحوى «قائمة مراجعة» Check list
لقياس درجة البعد عن الدين والتدين وتحوى عناصر مثل: تحب الكلاب، تقتنى أصنامًا (تماثيل) ، تسمع الموسيقى والأغانى، تتقارب مع وتتودد إلى غير المسلمين، ، لا تصلى التراويح، وغيرها من المعايير التى وضعها المتدينون الجدد لنسختهم الجديدة من التدين.
التدين الذى صار محل شد وجذب فى مصر هذه الأيام تحول من سبب للمودة والرحمة والسماحة إلى مثار للتراشق باتهامات تتراوح بين الكفر وكراهية الدين ومحاربته ومساندة أعداء الإسلام وغيرها. والمصيبة أن مطلقى هذه الاتهامات أشخاص عاديون اعتنقوا النسخة المتطرفة التى تم الترويج لها منذ أواخر سبعينات القرن الماضى، واعتبروها «الإسلام». هؤلاء يعتبرون أن بث صلاة التروايح فى سبع مساجد لا يفصل بينها سوى أمتار محدودة عبر مكبرات الصوت تدين حق. وينظرون إلى المرأة المنتقبة باعتبارها مسلمة درجة أولى. ويرون أن الإسلام سينتشر بين غير المسلمين عبر ملصقات «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» على السيارات والجدران. ولا يرون أى غضاضة فى أن تغلق الشوارع بالسيارات صفوفًا ثانية وثالثة ورابعة وتُحتل الأرصفة لأن المصلين يصلون فى المسجد. ومن يعتبر ما سبق سفهًا وخروجًا على القانون باسم الدين، بل وتشويهًا للدين نفسه، فهم فى نظر المتدينين الجدد «أعداء الله».
مرة أخرى، النسخة المصرية الشعبية من التدين المستورد تضربنا فى مقتل ثقافى واجتماعى وحضارى