توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قطع الحلوى والذباب

  مصر اليوم -

قطع الحلوى والذباب

بقلم - أمينة خيري

التف الرجل الأربعينى وكوكبة العمال الواقفة معه ليستكملوا معاينة الجانب الخلفى من أجساد الفتيات الأربع، وذلك بعد ما انتهوا من تفحص الجانب الأمامى بإمعان، والحق يقال إنهم لم يتفوهوا بألفاظ جنسية خادشة للحياء. فقد كانوا يقفون فى حرم مكان رزقهم، وهو السوبر ماركت الشهير فى حى المهندسين، اكتفوا بتلك الابتسامات الذكورية السمجة اللزجة التى عادة تصاحب هذا النوع من «الشمشمة» الجنسية التى تجرى فى شوارع المحروسة على مدار ساعات الليل والنهار وما بينهما منذ عقود.

السؤال المباغت للمجموعة عن سبب التمعن فى الفتيات نجم عنه سلسلة من الردود المتوقعة والمعروفة سلفاً، «ما حصلش» «وإيه يعنى؟!» «حد كلمهم؟!» «عادى» وأخيراً، وبعد تضييق الخناق عليهم «لبسهم مش محترم وبيجبرونا على كده»، وبغض النظر عن أن ثلاثاً من الفتيات يرتدين الحجاب والرابعة منتقبة، وبعيداً عن كوكبة الرجال المتحرشة بالنظر المتبجحة باللامنطق المتنطعة بالردود، فإن المشهد من ألفه إلى يائه لم يستوقف جدعاً أو شهماً أو رجلاً بغض النظر عن تكوينه، بمن فيهم صاحب الكشك المتاخم، الذى يتصاعد منه صوت القرآن الكريم ليصل إلى مسامع الجميع.

الجميع صار يعرف أن شوارع مصر تعادى النساء والفتيات وحتى الطفلات، وجودهن يؤرق ويغضب ويقلق كثيرين، وإن اختلفت الأسباب، لكن يظل هناك سبب بازغ وعامل واضح يظلل الفضاء العام بكل تأكيد، المزاج العام فى الشارع تجاه كل ما هو أنثوى صار أقرب ما يكون إلى أوروبا فى القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، ففى هذه العقود كان وضع المرأة تحدده كتابات ومواقف «آباء الكنيسة»، وكم كانت هذه الكتابات تضخ كراهية وتحقيراً للنساء، ولكن من باب الاختلافات البيولوجية، كانت النظرة صوب النساء لا تخرج عن إطار كونهن كائنات ضعيفة وهستيرية ومسببة للفتن الجنسية، وكانوا يعتبرون شعر المرأة من صنع الشيطان، لذا يجب تغطيته، وظلت الكنيسة لعقود طويلة تضع الرجال بين الله والمرأة فى ترتيب الكائنات.

الكائنات الأنثوية فى الشارع المصرى -باستثناءات قليلة جداً- تجد نفسها مضطرة للشعور بالذنب لأنها توجد فى الفضاء العام، لا سيما إن كان مظهرها الخارجى غير مطابق لمقاييس سنها البعض من واقع ثقافى لا يخلو من مكون اقتصادى، أعرف شابات كثيرات يمتنعن تماماً عن ارتداء ملابس أنيقة أو أحذية بكعوب عالية حتى لو كن متوجهات لحفل أو مناسبة ما، قالت إحداهن ذات مرة: أشعر أن الفستان أو البدلة التى أرتديها تزعجهم، ويا سلام لو معها كعب عالى، علىّ حينئذ أن أجهز نفسى لمشاعر كراهية تعبر عن نفسها بتحرشات مختلفة أو تعليقات تدعونى إلى الهداية أو أخرى تهددنى بنار جهنم، كثيرات يأخذن ملابسهن الأنيقة معهن يرتدينها فى مكان الحفل اتقاء شر الشارع، وحتى لا يقفز البعض إلى تحليلات سطحية وتعليلات هرطقية، فإن المظهر المقصود ليس خارجاً أو مستفزاً أو يفتقد الحشمة، لكنه يندرج تحت بند الصور التى نتداولها ونحن نتحسر على مصر التى كانت فى ثلاثينات وأربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضى، المسألة لا هى طبقية أو أخلاقية، هى مسألة تتعلق بشىء ما -أو بالأحرى أشياء ما- ألمت بالمجتمع المصرى فصار كارهاً للنساء، ولا تفرق كثيراً نوعية الأغلفة التى تغلف هذه الكراهية بدءاً بالصحوة الملتحفة بالدين وهو منها برىء، مروراً بقطعة حلوى معرضة لقرف الذباب وتجمهر الصراصير، وانتهاء بالإنكار من الأصل مع رمى الكرة فى ملعب «ولكنكم تحبون العراة وتدعون إلى الإباحية وتؤلهون الغرب المنفلت أخلاقياً»، جميعها حجج سخيفة وإنكارات تلف وتدور وتعود لتصب فى خانة المزيد من التحقير للنساء، وحين تفرد الأدلة السياحية صفحات لمن يفكرون فى زيارة مصر لتحذير السائحات من التحرش الذى أصبح آفة فى الشارع المصرى، فإن ذلك لا يؤكد إلا عكس كل ما سبق من حجج، فلا المجتمع صار متديناً خلوقاً بالشكل الذى يحاول مظهره أن يؤكد عليه، ولا ما يشاع حول «احترام المرأة» صحيح، ولا القانون قادر أو بالأحرى راغب فى حماية النساء والفتيات من المهانة والازدراء.. ببساطة شديدة أصبح الشارع طارداً للنساء.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قطع الحلوى والذباب قطع الحلوى والذباب



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon