بقلم-محمد عصمت
حينما قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مازحا خلال لقائه منذ عدة أسابيع مع وزير خارجية فرنسا جان لو دريان إن حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس سيناريو «الدولة الواحدة» قد يأتى برئيس لوزراء إسرائيل اسمه محمد، فقد كان فى واقع الأمر يعبر عن قناعات استعمارية عنصرية معادية للديمقراطية، لا تجعله وسيطا نزيها للسلام فقط، بل وتكشف أيضا وبوضوح زيف الادعاءات الأمريكية بأنها حامية الحريات وزعيمة العالم الديمقراطى فى العالم!
ترامب الذى يبرهن دائما بأنه صهيونى أكثر من الصهاينة أنفسهم، فهو طبقا لتفسيرات دينية متطرفة يرى أن إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين يأتى تأكيدا لنبوءات الكتاب المقدس، وأن من واجبه أن يساعد على نقاء هذه الدولة من أى وجود فلسطينى، لأن هذا يساعد على التعجيل ببناء هيكل أورشليم مكان المسجد الأقصى، وهو ما يمهد للمجىء الثانى للمسيح، وإقامة ملكوت الله فى السماء والأرض، دون أن يضع ترامب فى اعتباره أى وزن للقانون الدولى، أو الحقوق التاريخية للفلسطينيين على أرض أجدادهم، أو أنه بأفكاره وسياساته هذه يغذى كل عناصر التطرف الدينى على الجهة الأخرى.
وقد جاء اعتراف إدارة ترامب أخيرا بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ثم تأييدها المطلق للوحشية الإسرائيلية فى تعاملها مع الاعتراضات الفلسطينية التى وصلت لإطلاق الرصاص الحى على المسيرات السلمية الفلسطينية عند السياج الحدودى فى غزة، وقبولها الحصار الإسرائيلى للقطاع الذى أحال حياة سكانه إلى قطعة من الجحيم، كدليل واضح على استهانة الرجل وحكومته بأى أعراف أخلاقية يمكن أن تجعلهما محل ثقة الباحثين عن حل عادل للصراع فى المنطقة.
عنصرية ترامب كان لها صداها داخل إسرائيل، حيث رفعت من أسهم المتطرفين هناك الذين يطالبون صراحة الآن بقتل هنية وتصفية حركة حماس، وهم على ثقة كاملة بأنهم سيحظون على تأييد ترامب بل وسيجعلونه أكثر سعادة، فى نفس الوقت الذى تخشى فيه حكومة نتنياهو من ردود أفعال غاضبة من كتائب القسام التى أصابت صواريخها البدائية جنوب إسرائيل بما يشبه الشلل، حيث يقضون أوقاتا طويلة وهم فى ذعر بالغ داخل الملاجئ، وهو الأمر الذى فرض على حكومة إسرائيل السعى للاتفاق مع حماس على عقد اتفاق للتهدئة، تمتنع بمقتضاه الحركة عن إطلاق صواريخها، مقابل إنشاء ممر مائى يربط غزة بقبرص وإنشاء مطار بالقطاع.
صحيح أن تفاصيل هذا الاتفاق كثيرة لا تزال محل شد وجذب خاصة من الرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى يريد أن تسفر المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس على سيطرته الكاملة على غزة وتصفية سلاح المقاومة به، أو على الأقل أن يكون تحت سيطرته، لكن المباحثات التى تستضيفها مصر بين وفود فلسطينية من مختلف التوجهات، مع تواجد وفد إسرائيلى قد تنجح فى إثناء عباس عن مطالبه هذه، مما يمهد للوصول لاتفاق تهدئة مع إسرائيل من المتوقع أن يتم التوقيع عليه بعد العيد.
الدرس الحقيقى الذى يمكن استخلاصه من سعى إسرائيل للتهدئة مع حماس، يفرض علينا أن نغير كل إستراتيجياتنا التى ابتدعها الرئيس السادات عندما قال إن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، فالرهان على أمريكا هو رهان على الشيطان نفسه، فصنع توازن للقوى مع إسرائيل، سيجعلها أقل وحشية فى التعامل مع الفلسطينيين، وستفرض على الرؤساء الأمريكيين من نوعية ترامب أن يكونوا أقل عنصرية فى تعاملهم مع القضايا العربية، وأن يقبلوا فى نهاية المطاف أن يكون محمد أو أحمد أو مصطفى أو حتى جورج رئيسا للوزراء فى دولة ديمقراطية على كامل أرض فلسطين يعيش فيها اليهود مع العرب جنبا إلى جنب، لا أن يكون الأمر مجرد مزحة سخيفة يطلقها رئيس مجنون كما يصفه معارضوه فى بلاده.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع