توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب باردة وتجارية أيضا!!

  مصر اليوم -

حرب باردة وتجارية أيضا

بقلم : عبد المنعم سعيد

 قبل عقدين كان ما نشاهده اليوم فى العالم الآن لم يكن لأحد أن يتخيل حدوثه، ولا كان يخطر على بال بشر. فى ذلك الوقت كانت الموسيقى العالمية تعزف لحن العولمة، وتروى قصة عالم جديد لم تعد فيه لا حرب ساخنة ولا باردة، والجديد كانت رواية التكامل الاقتصادى، ومولد عملاق عالمى هو الاتحاد الأوروبى يتسابق على دخوله جماعة الدول التى كانت فى حلف وارسو سابقا، وبات ذلك مثالا يراد تطبيقه هندسيا على دول العالم أجمع من خلال حرية التجارة والانتقال للبشر والأموال والتكنولوجيا، وأفكار وقيم اقتصاد السوق. دول مثل الصين والهند وروسيا ووراءهم طابور طويل من الدول ذهبت إلى ما ذهب إليه الغرب منذ وقت بعيد. كانت الحرب الباردة قد ذهبت إلى غير رجعة، ولم يعد على الأجندة العالمية سوى مزيد من التكامل على جانبى المحيط الباسيفكى، وما هو أكثر من تعميق الاتحاد الأوروبى من خلال عملة موحدة وبنك مركزى موحد للولايات المتحدة الأوروبية مع مطلع الألفية الثالثة. وعندما حدثت الأزمة المالية الآسيوية عام ١٩٩٧ وأخذت فى طريقها المكسيك وروسيا، فإن العالم كان قادرا على مواجهتها، وكان النظام كله قادرا على تصحيح نفسه، حيث لا يطلب من النظم أكثر من هذه القدرة على التعامل مع نواقص النظم. وحتى عندما تم ضرب أبراج مركز التجارة العالمى فى نيويورك فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فإن ذلك لم يكن ليقلب الدنيا رأسا على عقب، وكان ما جرى وجها آخر للعولمة اصطفت الدنيا شرقا وغربا لمقاومته فى صراع حضارات هذه المرة. وهكذا سارت الدنيا كلها خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؛ أما العقد الثانى فإن مشاهده كانت مزعجة بآثار أزمة مالية قادحة؛ بقدر ما كانت مفجعة فيما انتهت إليه الحرب ضد الإرهاب الذى لم يترك حاضرة عالمية إلا ومسها بدخان ونار. ومع قرب انتهاء العقد فإن النظام العالمى كله بات على شفا الانهيار، مع الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، ووصول نظم يمينية وشوفينية للحكم فى بولندا والمجر، بينما وصلت أحزاب مثلها بمقاعد كثرة فى باقى البرلمانات الأوروبية، وقبل أن ينتهى العقد كانت حرب باردة جديدة قد ولدت!.

الحرب الباردة تعبير أضافه جورج كينان إلى قاموس العلاقات الدولية؛ وهو نظام للحرب الضروس الذى تمنع الأسلحة النووية وحدها تحوله إلى حرب ساخنة، ولكن قبل وبعد ذلك فإن كل الأمور مسموح بها؛ ولا بأس أن تكون السخونة سانحة بالوكالة أو بالصراحة فى مسارح الجنوب. المفهوم يتضمن تناقضات أساسية فى المصالح، والرؤية للعالم، والصراع على مناطق النفوذ، وسباق للتسلح؛ وفى تاريخ الحروب الباردة قبل الحرب العالمية الثانية فإن ذلك يضاف له الحروب التجارية. المشاهد المتتابعة على المسرح الدولى ترسم صورة لحرب باردة جديدة لم تعد تجتمع فيها روسيا وأمريكا على الحرب ضد الإرهاب الدولى، ولا تجلسان سويا للتفاوض مع إيران لمنعها من بناء أسلحة نووية، وتنظر فيها الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى الناحية الأخرى عند دخول القوات الروسية إلى جورجيا أو إلى القرم، وفى كل الأحوال فإن الجميع يجتمعون على موائد منظمة التجارة العالمية. وفى هذا الخضم الجديد فإن أحدا لا يستطيع تحديد متى بدأت الحرب الباردة الجديدة على وجه التحديد؛ التاريخ ربما يسجل دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا وسوريا كبداية؛ أو عام ٢٠١٦ عندما بدأت أول حرب «سبرانية» فى التاريخ عندما بات محسوما أن روسيا نجحت بوسائل إلكترونية فى قلب الانتخابات الأمريكية لصالح المرشح دونالد ترامب الذى كان يشيد بروسيا وإمكانيات التفاهم مع رجلها «القوى» فلاديمير بوتين. أو أن الحرب بدأت عندما قام الرئيس الروسى، ومن بعده الرئيس الأمريكى، فى إشهار ما توصل إليه كلاهما من أسلحة جديدة لم يكن لها مكان إلا فى أفلام الخيال العلمى. أو أنها باتت حقيقة عندما جرت محاولة اغتيال جاسوس روسى سابق مع زوجته فى بريطانيا، وما نتج عنها من أزمة دبلوماسية جرى فيها طرد الدبلوماسيين بالتبادل بين روسيا فى ناحية و٢٤ دولة أوروبية ومعها الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب. وأضاف دونالد ترامب إلى التوترات السياسية، وأزمات الجاسوسية، شن الحرب التجارية عندما فرض الضرائب والرسوم التجارية على واردات الصلب والألومنيوم، وفرض على الواردات الصينية ما يكفى لخسارة الصين ٦٠ مليار دولار. فى قرار واحد، كان ترامب يضرب فى قلب العولمة، وفى الصميم.

وفى الحقيقة أن العالم لا يعلم أبدا متى بدأت مرحلة من التاريخ، وبالتأكيد متى تنتهى، وربما ليس مهما إذا كنا نعلم متى بدأت الحرب الباردة الجديدة، ولكننا نعرف أنها بدأت، والمهم فى ذات اللحظة أن نعرف أن التاريخ لا يعيد نفسها، وهناك دائما جديد تحت الشمس، حتى لو بدا أن الأشكال متشابهة، وما أشبه الليلة بالبارحة، فهناك دائما ما يجعل المشاهد الجديدة جديدة بالفعل. روسيا لم تعد كما كانت، فهذه المرة لا تبدو الدولة الروسية تعبيرا عن أيديولوجية عالمية بديلة؛ ولا يوجد فى قاموس «بوتين» شيء لا عن الاشتراكية ولا الشيوعية ولا حتى أحاديث كثيرة عن العدالة. والأرجح أن الولايات المتحدة هى الأخرى لم تعد كما كانت، ولا أحد يمكنه أن يحكم على ما إذا كان «ترامب» هو ظاهرة عارضة ومؤقتة، أم أنه حالة دائمة ربما تصل قدراتها على كسر العولمة ليس فقط فى العالم، وإنما فى الولايات المتحدة نفسها. وعندما تمكن الرئيس «شي» فى الصين من تعديل الدستور لكى يحكم مدى حياته؛ فإن ترامب أشاد بذلك قائلا متمنيا أن الولايات المتحدة ربما تفكر فى تجربة ذلك قى يوم من الأيام!!.. أصبح التاريخ سريعا بسرعة أكثر مما نتصور، وبينما كان الفارق بين الثورات الصناعية قرونا، فإنها باتت عقودا بعد الحرب العالمية الثانية، والآن فإن الفارق بين الثورة الصناعية الثالثة القائمة على المعلومات؛ والثورة الصناعية الرابعة القائمة على الذكاء الاصطناعى لم تزد عن عقد واحد.

كيف نتعامل مع هذه الظواهر الجديدة حتى ولو كان بعضها قديما قدم الحرب الباردة والحروب التجارية؟ ولا يوجد أمامنا إلا أن نسجل حقيقتين: الأولى هى أننا لا نستطع التحكم فى الكون، ولكننا نستطيع المراقبة، والمتابعة، وتجنب المخاطر بقدر المستطاع، وانتهاز الفرص عندما تسنح. وفى كل الأحوال فإن للكون ربا يحميه. والثانية أننا نملك إرادتنا التى يمكننا استخدامها لبناء كل عناصر القوة المختلفة والتى نملكها بالفعل بقدر ما لدينا من بشر ومن حجر، ومن نهر وبحر. ولدينا محيط قريب ربما يمكن إقناعه بأن الظروف الدولية والإقليمية تفرض علينا خلق سوق أكثر اتساعا من كل طرف منا منفردا، وعمقا إستراتيجيا أكبر من كل دولة وحدها.. هل وصلت الرسالة؟!.

نقلاً عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب باردة وتجارية أيضا حرب باردة وتجارية أيضا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon