توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صديقة.. من العالم القديم

  مصر اليوم -

صديقة من العالم القديم

بقلم : مي عزام

 «سأنتحر»، قالت الكلمة بانفعال ثم انخرطت فى نوبة بكاء هستيرى، حاولت تهدئتها، لكن حالتها ازدادت سوءاً، كان جسدها ينتفض وهى تبكى بحرقة، لم يكن بإمكانى أن أفعل شيئا سوى الصمت واحتضانها بود، لعلها تهدأ وتحكى..

لم تكن هذه سلوى التى عرفتها، لم تكن هذه المرأة البدينة المحطمة هى نفس الفتاة الطموحة التى كانت تملأ الدنيا مرحا من حولها، ولم تكن حالتها تدل أبدا على أسلوبها القديم كفتاة عصرية عاشت قصة حب جميلة فى رحاب الجامعة انتهت بزواج غير تقليدى، فماذا حدث لسلوى؟، وأى مأساة انتهت بها إلى هذا التحول العجيب؟

كانت ظروف الحياة قد فرقت بيننا منذ سنوات طويلة، حتى انقطع التواصل، وفى مطلع العام الحالى فاجأتنى باتصال تليفونى، لم يكن صوت سلوى فى التليفون هو نفس الصوت الذى أتذكره، اضطرت لتذكيرى بنفسها، اعتذرت بتودد، وألقيت بالمسؤولية على الزمن والمشاغل، وحاولت أن أداعبها بطريقتنا القديمة، لكنها استقبلت دعابتى بفتور أحرجنى أكثر، تواعدنا على اللقاء وانتهت المكالمة لكن دهشتى لم تنته، حتى إننى شككت أن تكون المتحدثة هى نفسها سلوى التى كنا نشبّهها بسعاد حسنى، كان صوتها باردا وحديثها بلا ذكريات، ولما التقينا فى اليوم التالى لم أعرفها، وجدت سيدة بدينة منكوشة الشعر تتجه نحوى مباشرة، لم أتخيل أبدا أن تكون سلوى، لكنها صعقتنى وقالت: «إزيك يا مى»، حاولت استدراك الموقف: ووقفت لأحتضنها وأنا أقول بود: «أهلا يا سلوى، وحشتينى، عاملة إيه؟» فوجئت بردها: «قررت أنتحر». لم أستوعب الكلمة، وتداخلت مقالب زمان مع الحالة التى أراها عليها الآن، فلم أعرف هل ما تقوله هزار أم جد، وقلت لها: «سيبك من الكلام الوحش ده واحكى لى» فصرخت بعناد: «هنتحر يعنى هنتحر»، ثم دخلت فى نوبة البكاء الهستيرى، كانت كلماتها مبعثرة، وعيناها شاردتين، ويداها ترتعشان وهى تقبض على سيجارة لا تنطفئ. جلسنا أكثر من ساعتين حكت لى مقتطفات من حياتها، وفهمت أن الأمور مضت عكس مسيرة الأحلام التى لونتها سلوى بخيالها فى بداية الرحلة، فقد سافرت مع زوجها للعمل، وهناك تحولا إلى آلة لجمع الأموال، وأهمل كل منهما الآخر حتى انتهت الأمور بانفصال بارد، ثم زواج ثان متعجل انتهى بفشل آخر، وعودة بآمال جديدة لمصر، ثم انكسارات متوالية دمرت كل ما فى حياتها، وقالت لى: لم يبق فى ذاكرتى من القديم والجديد سوى علاقتى بك، فطاردنى هاجس البحث عنك، وعندما لم تعرفينى، ولمحت نظرة الدهشة فى عينيك، شعرت أننى انتهيت، وقررت الانتحار والتخلص من هذه الحياة..

استعادت سلوى هدوءها بعد عدة جلسات للفضفضة، وفى إحدى الجلسات سألتها: انت صحيح ممكن تنتحرى يا سلوى؟

فقالت وهى تبتسم بأسى: «إحنا متنا من سنين يا مى.. ولا عزاء لأبناء الطبقة الوسطى».

كلمات سلوى كانت بمثابة وخز الإبر، أشعرتنى بهزيمتى الفردية وهزيمتنا الجماعية، نحن جيل سعى آباؤنا لتربيتنا وتعليمنا ظنا منهم أنهم يسلحوننا بأقوى الأسلحة وأشرفها، لم يكن أحد يتصور أن التربية والتعليم يمكن أن تكون عائقاً فى زمن يفضل فيه غياب الوعى والأخلاق، قصت علىَّ سلوى أنها حين سافرت للعمل بالخارج مع زوجها، كانت تحلم بالتميز على أقرانها بالسلع المستوردة التى ظلت محتفظة بها فى صناديقها، قالت: «بعد فشل زواجى من كريم، جلست فترة عند «ماما» حتى أشترى شقة، الفترة امتدت لسنوات ومدخراتى كانت تتآكل بفعل التضخم، وعندما نقلت لشقتى أخيرا وأخرجت ما حرمت نفسى لأشتريه كانت بنت أختى تساعدنى فى الترتيب، وقالت لى وقتها: «ياه يا طنط الحاجات دى موضة قديمة قوى!» صرخت فى وجهها وقلت: (انتى عارفة الكاسات الكريستال دى بكام والطقم الابيسون الفرنساوى.. كان من بين هذه الأشياء فيديو ضخم وأقمشة سواريه وصوف وأطقم صينى ومفارش سفرة وسرير قطيفة وسيرما، اكتشفت أننى أضعت سنوات عمرى فى اقتناء كراكيب لا تصلح لهذا الزمن، وعندما عدت لعملى فى القاهرة اكتشفت أن الأمور تغيرت، لم أعد أستطيع أن أساير مديرى الشاب الذى يطالبنى بأن أكون عصرية مثل الأخريات أتعامل بالكمبيوتر، شعرت بغربة وتأملت الوضع من حولى فوجدت أن كل شىء أصبح فى متناول الجميع، كل الأشياء الأصيلة الثمينة تقلد بأرخص الأسعار. لم أحتمل، أخذت إجازة بدون مرتب وجلست شهورا بدون عمل أعيش على مدخراتى القليلة الباقية، ومنذ ذلك الحين بدأت معاناتى مع زيادة الوزن، كرهت صورتى فى المرآة وكلما بدت الأمور سيئة كنت أقبل على الطعام بشراهة، وتمنيت أن أتخلص من حياتى كلها، وعندما تحطم عالمى فكرت فيك، فأنا أتابع كتاباتك، قلت لنفسى لمَ لا أكلمها لعلى أجد لديها حلا أو على الأقل أفضفض مع صديقة من عالمى القديم».

نقلًا عن المصري اليوم

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صديقة من العالم القديم صديقة من العالم القديم



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon