توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفساد.. فن وثقافة

  مصر اليوم -

الفساد فن وثقافة

بقلم - نصر محمد عارف

الفساد ظاهرة بشرية كبرى ظهرت مع بداية حياة الإنسان على الأرض فى مجتمعات بشرية منظمة، وصاحبته طوال رحلته التاريخية، بحيث أصبح للفساد سنن ونظم وقواعد وقوانين، وأصبح من السهل معرفة متى يبدأ؟ وكيف ينتشر؟ وماهى طبقاته الجيولوجية؟ وما هى أصنافه وأنواعه ودرجاته؟، أى إن الفساد قد صار حقلا معرفيا فى حد ذاته، تتلاقى فيه علوم مختلفة من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الاجتماع إلى علم النفس، ومن الثقافة إلى الأديان.

والفساد فى الوقت نفسه فن من أعقد الفنون وأكثرها عمقا، فيحتاج إلى مهارات يصعب اكتسابها إن لم يكن قد تربى عليها الإنسان منذ نعومة أظافره، لأن المهارات التى يحتاجها الفساد معقدة جداً، ومتشابكة جداً، وتحتاج إلى حاضنة ثقافية واجتماعية تجعلها نمط حياة وليس أمرا استثنائيا، أو خروجا عن العرف والعادة.

فنون الفساد تعيد تشكيل العرف والعادة، بحيث يصبح الفساد عرفاً وعادة اجتماعية غير مرفوضة، وأحيانا مشكورة ومحمودة، وذلك حين يصبح الفساد من قبيل الشطارة والفهلوة والذكاء والحنكة والجسارة والشجاعة، وحين يصبح الفاسدون صفوة المجتمع، والمثل الأعلى فيه، ورموزه الناجحة.

عند هذه المرحلة يتم نزع السم من الفساد، أى نزع الأبعاد السلبية وغير الأخلاقية منه، ويتم تكييفه مع الثقافة والعرف والدين، فتصبح الرشوة حقا وإكرامية، وتصبح السرقة من المال العام شطارة، وحصولا على حقوق مهدورة؛ لا يستطيع الحصول عليها إلا أصحاب القلوب الجسورة والعقول الذكية، وعند ذلك يستمتع الفاسد بالحج والعمرة عن طريق الرشوة وسرقة المال العام، بل يبنى أحدهم مسجداً من مال حرام ليعيد وضع نفسه ضمن الصالحين والمحسنين والمتصدقين.

والفساد درجات وطبقات منها الأصغر ومنها الأكبر وبينهما أنواع آخر... والفساد الأكبر يبدأ ممن هم قدوة المجتمع ومثله الأعلى ونجومه الذين يقتدى بهم العوام؛ بكل فئاتهم وأنواعهم وتخصصاتهم، من علماء الدين والوعاظ والكهنة إلى المثقفين والإعلاميين، ومن السياسيين والحزبيين إلى رجال الأعمال والأغنياء ووجهاء المجتمع، ومن الأطباء والقضاة وأساتذة الجامعات إلى المذيعين والصحفيين…الخ. هؤلاء هم من يصنع الفساد الأكبر وهم من يغذيه ويكاثره.

قديما قالوا: إذا انشغل العلماء بجمع المال الحلال؛ تحول العوام إلى الشبهات... وإذا صار العلماء يأكلون الشبهات؛ صار العوام آكلين للحرام ... وإذا صار العالم يأكل الحرام؛ كفر العامى إذا استحل، هنا مصنع الفساد الأكبر، هنا سدنة معبد الفساد والإفساد، هنا ننظر فيمن يدخلون فى صنف العلماء بكل ألوانهم ومذاهبهم فى مصرنا المحروسة…ماذا سنجد؟ … سنجد علماء ووعاظا ودعاة غارقين فى الدنيا وملذاتها، يسابقون المترفين من الأغنياء فى حياتهم وقصورهم وسياراتهم ونسائهم، يبيعون كل مكونات الدين من الوعظ والنصيحة والأدعية وقراءة القرآن بكل السبل والوسائل حتى نغمات التليفون.

تعالوا إلى صنف ثانٍ من الفساد، وهو المتعلق بالتوريث المنتشر بين أساتذة الجامعات والأطباء وداخل القضاء … أقل فساد يمارس هنا هو توريث أبنائهم أعظم المهن التى ما وصلوا إليها إلا بجهدهم وسهرهم ومثابرتهم، ولكن ما أن استقرت فيها مقاعدهم حتى تنكروا لأصلهم، واعتبروا أن أبناءهم هم الورثة الشرعيون لهذه المهن الجليلة العظيمة، ثم تمادوا فى الفساد فهذا يبيع كل شيء من المذكرات إلى الامتحانات، وذاك يسرق الأعضاء البشرية، والثالث يسترخص العدالة بدراهم معدودات ويكون فيها من الزاهدين.

والصنف الثالث من صناع الفساد الأكبر ينتشر بين أهل الإعلام بكل أنواعه، فمنهم من باع الكلمة، التى هى أسمى ما خلق الله عند أتباع كل الأديان، باعوها فى سوق النخاسة؛ فصفقوا وطبلوا لكل من يدفع أو يحمى أو يتستر على ما جنت أيديهم من آثام فى حق الوطن، هؤلاء يقدمون أنفسهم على أنهم قادة الرأي، وصناع الفكر، وحماة الوطنية، والجميع يعلم أن ثمن الكلمة التى تخرج من أفواههم تعادل دخل مواطن غلبان فى شهر….الإنسان العادى يتساءل…ماذا يقدم هذا المذيع أو المذيعة للوطن والشعب والإنسانية حتى يحصل فى شهر واحد على أكثر مما يحصل عليه زميله فى وظيفة أخرى طوال عمره.

الفساد الأكبر فى قمة المجتمع فى النخبة الثقافية والسياسية والمهنية، الفساد الأكبر يصنعه رجال الدين الذين صاروا من رجال الدنيا وزينتها، يصنعه المثقفون والكتاب الذين يبيعون كل شيء من الأغانى الهابطة، والسينما الساقطة، والمسلسلات الفضائحية، المهم أن تدر دخلا يمكنهم من السكن فى المنتجعات السياحية والشاليهات المارينية، ويجعلهم يتفاخرون بما يملكون على من تعفف من زملائهم ، أو فشل فى أن يكون فاسدا.

على الدولة والمجتمع معالجة الفساد الأكبر حتى يمكن مكافحة الفساد الأصغر؛ وهو فساد القميص والبدلة والتليفون ورحلة العمرة، ورشوة المئات أو الآلاف من الجنيهات، هذا هو الفساد الأصغر، أما الفساد الأكبر فهو فساد كل من انتقده وأذاع خبره وعلق عليه وانتفخت أوداجه فى سبه ولعنه، ما لم تتخلص مصر من الفساد الأكبر، سيكون الفساد الأصغر أكثر تكاثرا، وأعظم انتشارا.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفساد فن وثقافة الفساد فن وثقافة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon