توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لأننا بشر

  مصر اليوم -

لأننا بشر

بقلم : يوسف القعيد

أبدأ بواقعة جرت فى زمن عبد الناصر. فنحن فى الطريق إلى احتفالات كبرى أو هكذا أحلم ـ بمرور 66 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952، عندما بدأت عملية بناء السد العالى. وكانت من معارك الوطنية المصرية. أرادت إحدى الصحف سرقة الأضواء من متابعة الجماهير لملحمة البناء.

يومها اخترع صاحبا جريدة قصة وهمية عن اختفاء زوجة منحاها اسم: تاتا زكى. وبدأت المانشيتات تحتل الصفحات الأولى: أين ذهبت تاتا زكي؟ لماذا هجرت تاتا زكى بيتها؟ ومع من؟ تحولت لقصة تابعتها الجماهير. لأن فكرة هروب زوجة من بيت زوجها مسألة تثير الاهتمام وتتطلب المتابعة وتولد حالة من التعاطف الإنسانى سواء مع الزوجة الهاربة. أو الزوج المهجور. أو الأبناء.

ما زال التاريخ يعيد نفسه. فعندما جلست أتأمل حوادث مصر المحروسة مؤخراً. اكتشفت أننا وكأننا يا بدر لم نتغير. وأن تطور الحياة المذهل الذى يجرى من حولنا لا يغير من دواخلنا التغيير المطلوب الذى يتناسب مع حجم التطور. ما زلنا نلهث وراء البطل الشرير. نُعجب به. نحوله لأسطورة. نسأل أنفسنا كيف فعل هذا ونجح فى فعله وتخفى من الشرطة ومن الجيران؟ واستطاع أن يهرب بجريمته بعيداً عن الأعين؟. هذا القدر من الاهتمام غير العادى لا نبديه تجاه إنسان عادى فعل معجزة من المعجزات. فى هذه الحالة قد نقول إنه قام بواجبه. فماذا نفعل له؟.

حادثة العصابة التى اختطفت طفل الرحاب، وطلبت فدية مالية ضخمة. وقدمت الأسرة الفدية. ثم عاد الطفل وعادت الفدية. انصرف الإهتمام إلى العصابة التى خطفت الطفل وصورها. وحكاياتها. وأيضاً نالت الأسرة قدراً كبيراً من الإهتمام الإعلامى ذ وهذا حقها ذ لكننا أهملنا الضابط أو الضباط الذين لعبوا دوراً فى التوصل للعصابة والقبض عليها وتخليص المخطوف سليماً. وإعادة الفدية التى كانت الأسرة دفعتها لقاء استعادة ابنها المخطوف.

لا العصابة قامت ببطولة تستحق الاهتمام. ولا الكتابة. ولا المتابعة. والأسرة قامت بما يجب عليها القيام به تجاه طفل مخطوف. ومرت بتجربة إنسانية أكثر من مخيفة خلال فترة الخطف التى استمرت أياماً. وصبرت. وقاومت الدموع. وتعلقت بالأمل مهما يكن ضعيفاً. فى انتظار عودة الطفل المخطوف.

لكن لدينا بطل أو أبطال بحثت عنه أو عنهم فى صحفنا. كنت أبدأ الصحيفة بقراءة صفحات الحوادث. لأعرف من الذى تمكن من ضبط العصابة وتخليص الطفل حياً وسليماً. بل وإعادة الفدية. إنه بطل الحكاية الأول والأخير. الفاعل الأصلى، الذى كان يجب أن نتوقف أمامه. وأن نحييه وأن يقوم رؤساؤه بمكافأته على العمل الذى قام به. هذه المكافأة لا تخص الضابط أو الضباط وحدهم. ولكنها تحيى قيمة افتقدناها فى حياتنا. أن من يقدم خدمة جليلة لبلادنا. حتى لو كانت لأسرة. فكأنه خدم الوطن بمن فيه. ولا بد للوطن أن يتوقف لحظة ليقول له شكراً على ما قمت به. وأن يعلن هذا. لأنه يشكل دافعاً أمام الآخرين لكى يعتبروا أن حياة الناس أمانة بين أيديهم.

رئيس مصلحة الجمارك حكاية أخرى. تفاصيل لا أول لها ولا آخر. وانقسام فى المجتمع جعل الخوف يتسلل إلى نفسى. فهناك من يقول إنه أخذ المبلغ فعلاً. لكن كانت هناك اجتهادات مصرية تبرئه. وتنسب له من الفضائل ما لم يكن موجوداً فيه. بل ويلجأون لنظرية المؤامرة. ويتساءلون عن الكبار الذين تمت تغطية ما قاموا به فى القضية. سمعت من يقول إن هذا الرجل قدم رسالة للدكتوراه حول الفساد فى الجمارك. فكيف يقدم على جريمة؟!. ومن كان يردد هذا الكلام لم يكن يدرى أى معلومة حقيقية عن الرجل. وفى حالة رئيس مصلحة الجمارك الذى قضى فيها ستين يوماً فقط. ثم ألقى القبض عليه فى تهمة رشوة. كانت تتطلب بيانات رسمية تصدر من جهة التحقيق بشكل يومى حتى لا نعطى هواة الاجتهاد فيما لا يعرفون عنه الكثير فرصة لأن يعلنوا أى شيء يتصورون أنه حدث. بصرف النظر عن التأكد منه.

المحاسبة مطلوبة. ومطاردة الفساد لا بد منها. لكن مخاطبة الرأى العام من خلال جهات رسمية مسألة تغلق الباب أمام أصحاب المصالح الشخصية. وأمام فئة من الناس أراهم فى مثل هذه الحوادث تتلبسهم حالة العلم ببواطن الأمور. ومعرفة كل شيء. وادعاء أنهم كانوا فى قلب قلب الحدث. وإضافة توابل كثيرة من عندياتهم. والنفس الإنسانية تحب وتكره. وهذا من حقها. لكنها عندما تحب فهى توجه كل ما تعرفه لتعزيز هذا الحب. وعندما تكره فإن جميع ما يصل إليها يوجه لتعميق الكراهية وتحويلها إلى سدود مانعة تحول المجتمع إلى مجموعات.

أعرف أن الشرير يصبح بطلاً. وأن الإنسان الفاضل ربما نظرنا إليه إلى أنه هكذا خلقه الله. وهكذا أرادت له العناية الإلهية. فماذا فعل أكثر من كونه امتثل للطريقة التى جاء بها إلى الدنيا. لكن فى الشرير إغراء غير عادى. فمن المؤكد أن فى شخصيته خللا إنسانيا ما. دفعه لأن يقوم بما قام به. ولهذا تصبح له عند الناس ـ خاصة العامة منهم ـ حفاوة لا يحظى بها الإنسان الخَيِّرْ. الذى نقول عنه إنسان عادى. هل أقول إن أبطال الروايات الذين كانوا أشراراً هم من نتذكرهم؟ حاول أن تستحضر فى ذهنك أبطال نجيب محفوظ. ستجد أن سعيد مهران يسبق كثيراً كمال عبد الجواد. ولمن لا يتذكر فإن سعيد مهران كان التجسيد الروائى لشخصية محمود أمين سليمان، سفاح الستينيات الشهير. حتى فى تركيبة الإسمين يوجد تقارب. أما كمال عبد الجواد بطل الثلاثية. فهو الذى جسد الأزمة الروحية لنجيب محفوظ فى فترة الشباب والبحث عن النفس، ومحاولة العثور على أول الطريق. اعترف نجيب محفوظ أكثر من مرة أن كمال عبد الجواد ربما كان الأقرب بين كل الشخصيات التى أبدعها إلى أزمته الروحية والإنسانية. ومع ذلك يتفوق عليه كثيراً سعيد مهران. بل وينال إعجاب كثير من الناس. حتى وإن كانوا من الشرفاء. هل هى حالة مصرية فقط؟ أم أن كل الشعوب هكذا؟ تبحث عن بطلها حتى لو كان شريراً؟!.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لأننا بشر لأننا بشر



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon