يحسب لمصر مبادرتها إلى استضافة المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد والذى عقد يومى الأربعاء والخميس الماضيين، فى شرم الشيخ بحضور مميز لـ٥١ دولة إفريقية إضافة إلى أربع دول عربية كضيوف شرف، وبمشاركة ٢٠٠ شخصية رفيعة المستوى.
المؤتمر افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى وأكد خلاله أن مصر قطعت شوطا كبيرا فى مكافحة الفساد خلال السنوات الأخيرة، مشددا على ضرورة تعزيز قيم النزاهة والشفافية والحفاظ على المال العام وحسن إدارته، فى حين أن الوزير اللواء شريف سيف الدين، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، أكد أن الفساد هو العدو الأكبر لإفريقيا، لأن خسائره تقدر بمليارات الدولارات سنويا.
ليست هذه هى المرة الأولى التى تستضيف فيها مصر مؤتمرا يناقش مكافحة الفساد فى إفريقيا، والملاحظ أن هناك نشاطا مصريا ملحوظا فيما يخص القارة منذ أن تسلمت القاهرة رئاسة الاتحاد الإفريقى فى يناير الماضى.
علينا أن نستمر فى محاولات دق نواقيس الخطر بشأن ضرورة استئصال سرطان الفساد، لكن من المهم أن نكون واقعيين ومدركين أن المعركة ضد الفساد فى القارة السمراء طويلة ومعقدة، بل وتحتاج إلى معجزة، لأن الفساد فى إفريقيا صار يشبه السرطان.
طبقا للمراقب العام فى نيجيريا أنطونيو مكاثى فإن حجم الرشاوى فى العالم وصل إلى أكثر من ٢٫٥ تريليون دولار، والتقديرات أن نسبة كبيرة منه فى إفريقيا، وطبقا لتقارير الأمم المتحدة فإن الفساد يكلف إفريقيا ١٤٨ مليار دولار سنويا.
خلال مؤتمر شرم الشيخ شرحت كل دولة خططها واستراتيجياتها فى الماضى والحاضر لمكافحة الفساد، وماذا تنوى أن تفعل فى المستقبل، لكن ما لا يقال بوضوح، هو أن الفساد فى إفريقيا متجذر، وبالتالى فهناك شروط موضوعية، لابد أن تتحقق للتخلص من الفساد.
أولا: تحتاج القارة إلى محاربة الفساد أولا، قبل أن تحارب الفاسدين. سقوط بعض رموز الفساد مهم جدا، لكنه غير كاف بالمرة. لأن ذلك إذا لم يكن مقرونا بمكافحة الفساد نفسه، فسوف يتم إعادة إنتاج فاسدين جدد، بدلا من الذين سقطوا. وللأسف فإن غالبية بلدان القارة تحارب بعض الفاسدين لكنها لم تشرع حتى الآن فى محاربة الفساد، ولكى نحارب الفساد فالمطلوب تشريعات حازمة وجازمة تمنع الفساد من الأساس، وبالتالى سيتم القضاء على الفاسدين أولا بأول.
ويرتبط بذلك القضاء على الجريمة المنظمة، وبناء آليات تعاون لمكافحة الفساد، والنهوض بالإنسان كأساس للوحدة والتكامل فى التنمية وتحقيق العدل والأمن كأساس للتنمية، المحاور السابقة ذكرها اللواء شريف سيف الدين فى كلمته، وهى تحتاج إلى جهد كبير لكى يتم تطبيقها على أرض الواقع.
التحدى الثانى أن بلدانا إفريقية كثيرة لم تعرف مفهوم الدولة الحديثة حتى الآن، وبعضها لا يزال يتقاتل على الهوية أو على أساس القبيلة، وهى صراعات تفتح الباب واسعا للفساد بأشكاله المختلفة، وتمنع أو تعوق وجود دولة القانون.
التحدى الثالث والمهم هو أن الكثير من النخب والمسئولين الأفارقة غارقين حتى رءوسهم فى عمليات فساد وغسيل أموال منظمة، رغم أنهم يفترض أن يكافحوا الفساد!!!.
بعض هؤلاء المسئولين هم الذين يسهلون استنزاف الشركات الدولية الكبرى لثروات بلادهم بتراب الفلوس، مقابل ما يحصلون عليه من عمولات وإتاوات أيضا من هذه الشركات الكبرى أو بعض الحكومات الأجنبية.
التحدى الرابع ويرتبط بما سبقه وهو غياب أسس المساءلة والمحاسبة والشفافية فى العديد من البلدان الإفريقية، بما يسهل من عمل الفاسدين. ويرتبط بما سبق غياب اختيار العديد من الحكومات والمسئولين الأفارقة بصورة ديمقراطية صحيحة ونزيهة وعادلة.
طبعا حينما يتحدث المسئولون الأفارقة فى المؤتمرات والمنتديات القارية والإقليمية والدولية، فإن معظمهم يتحدثون عن تصريحات وكلمات وأحلام وردية مثل تطوير بنية تشريعية لمكافحة الفساد، وإجراء تعديلات على القوانين المرتبطة به، خصوصا مواجهة جرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ومواجهة جرائم الرشوة وغسيل الأموال، والتنسيق بين البلدان الإفريقية لمواجهة هذه الجرائم.
كل ذلك كلام طيب، لكن من دون وجود إرادات سياسية من جميع أو أغلب البلدان الإفريقية لمواجهة الفساد، فلن يتغير شىء. العديد من بلدان القارة تفتقد وجود الحكم الرشيد بمعناه الشامل، وبالتالى فمن دون وجود هذا النوع من الحكم، فسوف يستمر الفساد كما هو.
لكن وحتى يتحقق ذلك، فعلينا ألا نيأس، بل نستمر فى التنبيه والتحذير، لعل وعسى!.