هل تستشعر الحكومة المصرية خطرا يلوح فى الأفق، جعل الرئيس عبدالفتاح السيسى يطلق أخطر تهديداته العلنية منذ توليه الحكم فى يونية 2014؟!
والسؤال الذى سأله كثيرون: ما هى المعلومات السرية أو الخاصة التى تدفع الرئيس السيسى إلى استخدام هذه اللغة الحادة؟!.
وبما أننا لا نعرف هذه المعلومات، فسوف نسأل عن أبرز التحديات التى تواجه الحكومة والنظام السياسى المالى، بل والمجتمع بأكمله هذه الأيام؟!
فى تقديرى هناك ثلاثة أخطار أساسية تهدد الاستقرار العام للنظام وربما للمجتمع.
التهديد الأول والرئيسى هو التداعيات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية العاصفة والمستمرة منذ فترة طويلة، لكنها زادت بعد قرار تعويم الجنيه فى 3 نوفمبر 2016، وما تبعها من زيادة أسعار الوقود، ثم تطبيق ضريبة القيمة المضافة وحزمة قوانين متنوعة، الأمر الذى قاد إلى أعلى موجة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات عرفتها مصر ربما فى تاريخها الحديث.
تقول الحكومة إن هذه القرارات كانت حتمية للإصلاح الاقتصادى وإلا واجهت البلاد نفقا مظلما، ويقول معارضوها إن سوء أدائها والفساد المستشرى داخلها وتحميل الفقراء بمفردهم عبء الفاتورة يقوض أى عملية إصلاح مهما كانت النوايا طيبة.
هذه التداعيات جعلت ملايين المصريين يئنون من لهيب الأسعار، ويجاهرون بمعارضتهم للحكومة، بل إن بعضها منهم من الذين أيدوا السيسى، صاروا يعارضونه علنا.
هؤلاء هم الخطر الأكبر إذا تحركوا بفعل زيادة الضغوط الاقتصادية عليهم. وهذه البيئة هى التربة الخصبة للإشاعات، التى تهدد الاستقرار العام، بل وربما استقرار الدولة.
الخطر الثانى هو الإخوان والجماعات الإرهابية. الإخوان فقدوا معظم قوتهم، لكنهم لم ينتهوا تماما.
كل قادتهم إما فى السجون وإما فى المنفى وإما مطاردون، حركتهم التنظيمية ضئيلة للغاية، وفقدوا أى قدرة فعالة على الحشد. وأقصى أمانى غالبية الأعضاء، أن يعيشوا فى أمان داخل بيوتهم وفى أعمالهم بعيدا عن الملاحقة، أو مصادرة أموالهم وأملاكهم. هم يستغلون بطبيعة الحال أى فرصة للنفاذ منها إلى المشهد السياسى. وكان ترشح سامى عنان فرصة ذهبية لهم، لكن تم إجهاضها فى مهدها. أما بقية المتطرفين، فيشكلون تهديدا بالتأكيد بفعل عملياتهم الإرهابية خصوصا فى شمال سيناء.
ويرتبط بهذا الخطر الداخلى، مجموعة من الداعمين مثل قطر وتركيا، وبعض الأجهزة فى الولايات المتحدة وبريطانيا. كل هؤلاء يستخدمون هذه الورقة ليس حبا فى الإسلام بطبيعة الحال، بل لتحقيق أهداف ومصالح خاصة بكل طرف على حدة!!!.
الخطر الثالث هو غياب السياسة شبه التام وانسداد شرايين الحركة السياسية، بما ينذر بحدوث جلطة سياسية تهدد سائر الجسد. هذ الغياب يجعل كل خصوم النظام يصطفون فى طابور واحد. وهو الخطأ الفادح الذى ارتكبه الإخوان، حينما أصدروا الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، الأمر الذى كان بداية مظاهرات واحتجاجات شعبية قادت لتشكيل جبهة الإنقاذ وبداية النهاية للجماعة، التى سقطت بثورة 30 يونيو 2013.
ما تفعله الحكومة الآن يقترب من هذا المنحنى الخطر، فهى تكاد تكون اصطدمت بكل القوى السياسية المدنية، إضافة لخلافها الجذرى مع الإخوان مصحوبا بالأزمة الاقتصادية وتربص بعض القوى الدولية.
السؤال: كيف تؤثر هذه العوامل وتتفاعل؟
الحكومة مضطرة لعملية الإصلاح الاقتصادى، والإخوان والمتطرفون وسائر المعارضين يستفيدون بمهارة فائقة من هذه الأزمة وتداعياتها. وإذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية زال خطر الإخوان والمتطرفين، بنسبة كبيرة جدا، مثلما حدث مع الأعمال الإرهابية للجماعة الإسلامية فى حقبة التسعينيات من القرن الماضى. ولكى تتحسن الأوضاع الاقتصادية، فتحتاج الحكومة لبرنامج شامل للإصلاح ستكون له فاتورة ضخمة يتحملها الفقراء بالأساس، كما أنها تحتاج إلى دعم من القوى الكبرى التى تسيطر على مؤسسات التمويل الدولية.
فى حين أن وجود السياسة أو حد أدنى منها وتحقيق القدر الأكبر من التوافق الوطنى، فسوف يقضى آليا على خطر العاملين الأولية أى المتطرفين والأزمة الاقتصادية بنسبة كبيرة. وبالتالى تحسن الحكومة صنعا وتفيد نفسها، إذا فكرت بصورة عملية فى الانفتاح بدرجة أكبر على القوى والحركات السياسية المدنية وليست المتطرفة كى «تشم نفسها» وتكون قادرة على مواجهة الأخطار الصعبة التى تهدد المجتمع.
نقلا عن الشروق القاهرية