هل الحل أن ننتقد الشباب ونسبَّهم ونشتمهم؛ لأن بعضهم قرر ألا يشارك فى الانتخابات لأى سبب من الأسباب، أم أن الأفضل أن نناقش المشكلة ونحللها ونبحث لها عن علاج حقيقى؛ حتى لا نكرر الكلام نفسه فى كل انتخابات؟!!.
نبرة انتقاد الشباب والسخرية منه من قبل بعض المثقفين والنخبة والسياسيين، عادت خلال الانتخابات الرئاسية التى انتهت أمس.
قلت فى مقال أمس بعنوان «حوار مع ناخب مسن داخل لجنة جاردن سيتى»: إنه لا يحق لأحد أن ينتقد كبار السن أو السيدات، لأنهم قرروا المشاركة بكثافة وقوة فى الانتخابات الرئاسية، طالما أن ذلك حق وواجب بحكم القانون والدستور، قبل أن يكون أيضا واجبا إنسانيا ووطنيا، يفترض أن نشكرهم عليه، بدلا من السخرية المريضة باعتبارهم «شباب ثورة 1919»!!!.
وبنفس القياس فإن موجات انتقاد الشباب مستمرة منذ عزوف غالبيتهم عن الاستحقاقات الانتخابية بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو، وآخر شىء يمكن تصوره لحل هذه المشكلة، هو مهاجمتهم.
حتى هذه اللحظة لا توجد دراسات جادة ومفصلة توضح لنا حجم هذه الظاهرة. وهل هى حقيقية أم مصطنعة، وهل كل الشباب عازفون عن المشاركة فى الانتخابات؟!.
على سبيل المثال، يجب ان نعرف اجابة دقيقة لسؤال من هم الشباب؟! وهل هو التعريف العمرى فقط؟! وإذا كانت هذه هى نعم فكيف يمكن تفسير قيام بعض الشباب العاملين فى مهن المقاولات المختلفة أو العمالة الموسمية بالتصويت، خصوصا فى الريف والأحياء الشعبية، كما نرى فى العديد من الصور والتقارير؟!!.
وهناك نوع آخر من الشباب، هو بطبيعته عازف عن المشاركة السياسية بصفة عامة، وغير مهتم من الأساس بالعملية السياسية يمينا أو يسارا.
وإذا كانت الإجابة هى لا، فهل المقصود الشباب الذى شارك فى ثورة يناير وأصيب بالعديد من أنواع الإحباط نتيجة تعثر الثورة؟.. لو كان الأمر كذلك فالمؤكد أن معظم هذه الشريحة عازفة ومحبطة فعلا؟!، أم هل المقصود شباب الجامعات، الذين يحلم بعضهم ويبحث عن فرصة للسفر إلى الخارج؟
وإذا كان المقصود بالشباب، أولئك المنتمين إلى تيار الإسلام السياسى بكل فصائله وتياراته، فالمؤكد أيضا أن هؤلاء ليسوا فقط عازفين، بل إن بعضهم تحول رسميا إلى إرهابيين ينفذون عمليات ويتباهون بها علنًا. ونستثنى من هذا التيار فصيل حزب النور السلفى، الذى يشارك فى العملية السياسية، ورأينا بعض أعضائه وكوادره يصوتون فى الانتخابات الأخيرة.
هناك أيضا تفسير يقول إن معظم الشباب فى كل بلدان العالم متمرد بحكم سنه، وبالتالى فإنه يقاطع الانتخابات بصورة ملحوظة.
نعود إلى السؤال الجوهرى، وهو كيف يمكن جذب الشباب للعملية السياسية عموما، وليس فقط مجرد التصويت فى الانتخابات؟!
الإجابة هى: أن ذلك لن يتم بقرار جمهورى أو وزارى، ناهيك بالطبع عن المناشدات من الشخصيات العامة. الحل هو توافر مناخ عام يقنع غالبية الشباب بالمشاركة.
لن نستطيع أن نقنع الجميع، لكن على الأقل ضرورة توفير بيئة تبعث برسالة إلى الشباب بأن ذهابهم إلى التصويت له معنى، وقيمة وآثار ايجابية على مستقبلهم.
من أسوأ التصورات أن يكتفى البعض بانتقاد الشباب، وهو غير مدرك أنهم كل المستقبل. وأجبنا نحن كبار السن أن نبذل كل الجهود لتوفير الأجواء التى تقنع الشباب، ليس فقط بالمشاركة فى العملية السياسية، ولكن بأن هناك أملا فى هذا الغد، بدلا من أن تكون كل أحلامهم هى الهجرة للخارج، حتى لو كانت غير شرعية عبر مراكب متهالكة تغرق فى مياه البحر المتوسط!!.
كانت هناك رسائل إيجابية عديدة من الدولة تجاه الشباب فى العامين الأخيرين، خصوصا من مؤتمرات الشباب، وإطلاق سراح بعض المسجونين من الشباب.
نرجو أن تتسع هذه المبادرات، حتى لا توفر للمتطرفين والإرهابيين الخزان البشرى لتجنيد القنابل البشرية الموقوتة.
نقلاً عن الشروق القاهرية