ما الذى منع السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، من ذكر اسم الرئيس الأسبق حسنى مبارك صراحة خلال كلمته صباح السبت الماضى، فى الاحتفال بذكرى تحرير سيناء بحضور رئيس الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسى وقادة القوات المسلحة؟!
أبوالغيط كان يتحدث عن ملحمة 15 عاما من النضال العسكرى والدبلوماسى لاستعادة سيناء، وفى إحدى فقرات حديثة قال نصا: «بعد وفاة الرئيس السادات تسلمت قيادة جديدة فى مصر المسئولية، وتتدبر وتتحرك بحذر وتصميم وحكمة وتفرض الانسحاب فى 25 إبريل، وترفع العلم المصرى عاليا».
علاء مبارك النجل الأكبر للرئيس الأسبق كتب بالأمس على تويتر يسأل أبوالغيط: بعد التفاصل والأسماء التى ذكرتها فى كلمتك هل نسيت اسم القيادة الجديدة؟!، وهو يقصد بذلك ويلوم ابوالغيط لانه لم يذكر اسم مبارك بوضوح إذا صح أن حساب علاء مبارك صحيح، أو حتى لم يصح، فإن سؤاله منطقى وفى محله.
هل نلوم السفير أبوالغيط على تجاهل اسم مبارك؟!
ألتمس العذر إلى حد كبير للسفير أبوالغيط، فالرجل معروف عنه تقديره للرئيس الأسبق، خصوصا أن والده اللواء على أبوالغيط كان أحد قيادات الطيران، وبالتالى فهو يكن الود لمبارك، ثم إنه كان وزيرا للخارجية فى عهده، ويصعب تصور أن يكون معارضا له. ثم انه تتلمذ فى مطبخ حرب أكتوبر، حينما عمل لمدة عامين مع مستشار الأمن القومى حافظ إسماعيل لإدارة الشق السياسى والدبلوماسى لحرب 1973.
وبالتالى فلا يمكن لوم أبوالغيط، لأن الرجل وهو دبلوماسى محنك، يعرف أن الأجواء، ربما ليست مهيأة وصافية تماما، بحيث يتم ذكر اسم مبارك فى لقاء، بحضور رئيس الجمهورية، خصوصا إذا كان الأمر يتم فى سياق إيجابى.
وعلى حد علمى فلم استمع لأى متحدث يذكر صراحة اسم مبارك فى محفل عام بحضور كبار قيادات الدولة.
فى هذه السطور اقترح أن يتم إعادة النظر فى هذا الأمر. لست من مؤيدى مبارك، ومعظم كتاباتى خلال عهده كانت معارضة لنظامه بوضوح، وتقديرى أن غالبية سياساته، خصوصا فى التعليم أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الشاملة التى ندفع ثمنها الآن.
ورأيى أيضا أن فلسفة «استقرار القبور» التى اتبعها، وبعض سياساته، هى التى جعلت جماعة الإخوان وبقية الجماعات الظلامية، تتمدد وتنتشر فى المجتمع، بحيث سيطروا على أكثر من ثلثى مجلسى الشعب والشورى ومنصب رئيس الجمهورية فى اول انتخابات بعد 25 يناير 2011.
ورغم ذلك، فإن لمبارك إيجابيات لا ينكرها إلا أعمى، ومنها دوره فى حرب أكتوبر، حينما كان قائدا للقوات الجوية، كما أنه له إيجابيات أيضا خلال عمله رئيسا للبلاد، فلا يمكن تصور رئيس يحكم بلدا لمدة ثلاثين عاما، وتكون كل ايامه سوداء!
المجتمع الآن استقر إلى حد كبير، وهيبة الدولة عادت فى مناحى كثيرة، والإرهاب تلقى ضربات موجعة، والجماعات المتطرفة، صارت بلا حول ولا قوة. وبالتالى ينبغى أن نبدأ العودة إلى الحياة الطبيعية فى كل شىء.
وأحد مظاهر هذه الحياة الطبيعية ــ رغم شكليتها ــ أن تتوقف الحساسية تجاه اسم مبارك وفترته، وان نتعامل معها بموضوعية.
الرجل بكل ما له وعليه ــ رئيس سابق لمصر، وله أنصار يحبونه حتى هذه اللحظة، وعدد هؤلاء زاد، بسبب الأزمة الاقتصادية التى نتجت عن تعويم الجنيه، وبالتالى فعندما يأتى ذكره فهو ينبغى ان يقال بوضوح الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، دون أن يعنى ذلك أنه جيد أو سيئ.
الأمر نفسه مع أى مسئول سابق، وحتى مع محمد مرسى، فهو رئيس سابق لمصر حكمها لمدة عام، رغم أنه وجماعته حاولوا تغيير هوية هذا البلد، لكن الحمد لله فإن ثورة 30 يونيو أوقفت ذلك.
يتفق بعضنا أو يختلف مع هذا المسئول أو ذاك، لكن الوقائع والأحداث والتواريخ لا تتغيير. وبالتالى على بعضنا أن يتخلى عن هذه الحساسية وينظر للأمام.
حبنا أو كرهنا لمبارك لا يغير من أنه كان رئيسا لمصر، فعل أشياء جيدة وأخرى سيئة، والحكم عليه صار متروكا للتاريخ والباحثين والمؤرخين.
حينما نفعل ذلك، نكون قد بلغنا مرحلة من النضج تضيف إلينا ولا تنتقص منا.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع