صباح السبت الماضى، كنت بين الحاضرين للندوة التثقيفية رقم ٢٨ التى أقامتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فى مركز المنارة بالتجمع الخامس. العنوان الرئيسى لهذه الندوة كان الاحتفال بالذكرى رقم ٣٦ لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى.
فى هذه الندوة خرجت بالملاحظات الآتية:
الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط تحدث عن «ملحمة 15 عاما من النضال العسكرى والدبلوماسى لاستعادة سيناء». هو متحمس لأكتوبر ورجالها دائما. أهم ما جاء فى كلمته هو قوله: «إن التقارير المسربة عن إمكانية تبادل أراضٍ مع إسرائيل ظهرت عام ٢٠٠٣، وأنه تابعها حينما كان وزيرا للخارجية، وكان يتم التعامل معها بسخرية، ووصفها بأنها أوهام وأن سيناء ستظل مصرية ولن يتم التنازل عنها قط».
بالمنطق يصعب القول إن أبوالغيط سيرتجل هذا الكلام، إلا إذا كان يدرك تماما أنه يعبر تماما عن الدولة المصرية بكل مستوياتها.
وحينما يقول أبوالغيط إن فكرة تبادل الأراضى كانت وهما وستظل وهما، فهى رسالة واضحة الدلالة من مصر بأنها ترفض كل الأفكار والمقترحات الخاصة بهذا الموضوع.
رسالة أبوالغيط هى الأوضح فى هذا الصدد، بعد «لت وعجن» كثيرين فى هذا الموضوع طوال أكثر من عامين، حينما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن وجود فرصة لحل سياسى خلال افتتاحه لمشروعات تنموية فى محافظة أسيوط قبل نحو عامين. وثبت لاحقا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تهرب من كل ما تعهد به للمصريين والأمريكيين والأردنيين، وبدلا من تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب العمل تقود عملية السلام، اتجه للتحالف مع المتطرفين، وفى مقدمتهم أفيجدور ليبرمان وعينه وزيرا للدفاع.
أظن أنه حينما يعلن أمين عام الجامعة العربية أن فكرة تبادل الأراضى أوهام، من مكان تابع للقوات المسلحة، ويجلس أمامه رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة وكبار رجال الدولة، فالمفترض أن المعنى واضح، ولا يحتاج إلى مزيد من بيان.
كل ما نرجوه أن تكون رسالة أبوالغيط، حاسمة فى هذا الملف الذى استغله كثيرون فى الداخل والخارج للهمز واللمز، والإيحاء بأن مصر فكرت فى التخلى عن أراضيها، أو مبادلتها مع أراضٍ فى فلسطين التاريخية.
لفت نظرى أيضا أن كل الخرائط التى استخدمها المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية، وهو يتحدث عن «التنمية فى سيناء»، كان مكتوبا عليها فلسطين وليس إسرائيل.
لا أخفيكم أننى شعرت بنوع من الفرحة لهذا الأمر. أدرك تماما أن هناك علاقات رسمية بين الدولة المصرية وإسرائيل، وأدرك الواقع المر على الأرض الذى جعل إسرائيل تصير شرطى وبلطجى المنطقة.
أدرك أيضا أن الرئيس السيسى أشاد خلال اللقاء بالرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وأنه سبق عصره، وأن السلام خيار استراتيجى لمصر.
لكن وكما يقولون فإن الغريق يتعلق بقشة أو بأى معنى أو لفتة رمزية. وما أدركه أكثر أن مواجهة إسرائيل الحقيقية ليست بالسلاح فقط، بل أساسا بالعلم والعمل والإنتاج والتقدم. وحينما يحدث ذلك مصريا أو عربيا ستختفى إسرائيل من تلقاء نفسها.
الملاحظة الأخيرة عن سيناء، والمحاولات المستمرة لقوى كثيرة لاصطناع خلافات بين أهل سيناء وبقية المصريين. إسرائيل هى المستفيد الاكبر من كل هذه المحاولات. أما الإرهابيون فهم نقطة اعتراضية عابرة، ستنتهى إن آجلا أو عاجلا. هم يخدمون إسرائيل تماما سواء كانوا يقصدون ذلك أم لا.
المهم أن علينا ألا نكتفى بالقول إن هناك مؤامرة ضدنا فى سيناء. المؤامرة موجودة طوال الوقت، والذى ينجحها هو كسلنا وتخلفنا وإهمالنا وجهلنا. ولذلك فالحل الأمثل فى سيناء أن نستمر فى تعميرها وبنائها وزرعها بالمستوطنات البشرية والمدارس والمعاهد والمصانع والمستشفيات. إذا حدث ذلك فسيختفى الإرهاب والإرهابيون. وستعود سيناء خط الدفاع الأول عن مصر، وليست شوكة فى خاصرتنا، كما يحاول كثيرون أن يفعلوا الآن.
تحية إلى كل الشرفاء من أهل سيناء الذين يتحملون الجانب الأكبر من التضحيات، وتحية إلى شهداء ابطال اكتوبر، وكل ضابط وجندى فى القوات المسلحة والشرطة، وكل مواطن مصرى يتصدى للإرهاب والعنف فى سيناء وغيرها.
رسالة «مصرية سيناء» كانت واضحة جدا يوم السبت الماضى، من أول رئيس الجمهورية إلى إبرهيم محلب وأحمد أبوالغيط وحسن خلف وسلوى النرش، نهاية بأغنية مدحت صالح، التى قال فيها «سينا مش هنسيبها حتى لو هنموت».
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع