بقلم-عماد الدين حسين
حتى الساعة التاسعة تقريبا من مساء الثلاثاء الماضى، كنا غالبية المصريين فى حالة معنوية مرتفعة جدا، ونظرتنا إلى أنفسنا فى السماء لكن وبعد أن دخل مرمى فريقنا القومى ثلاثة أهداف فى ربع ساعة خلال مباراتنا مع روسيا هبطت الروح المعنوية جدا، وبدأنا فى حملة جلد كبيرة للذات، وكتب البعض يائسا: «إننا شعب كسول ولا نستحق أى شىء».
هنا نسأل: هل نحن أعظم شعب فى العالم والأكثر ذكاء، على الاطلاق مقارنة بكل الشعوب، أم أننا شعب كسول وغير منتج أو غير قادر على المنافسة عالميا؟!
سؤال أتذكره كل لحظة خصوصا فى المناسبات القومية المفرحة والمحزنة، وبعضها يكون فى مدى زمنى قصير لا يستغرق دقائق.
السؤال بطريقة أخرى: متى نتوقف عن المبالغة والأفورة والتضخيم والتهويل؟!
الحقيقة المرة التى لا يريد كثيرون أن يصدقوها، هى أننا شعب طبيعى مثل سائر شعوب الأرض، وعلى مر التاريخ صعدنا إلى أعلى قمم الحضارة فى فترات كثيرة، وهبطنا إلى درك لم نتوقعه فى أيام أخرى.
وعمليا لا يوجد شعب ذكى، وآخر غبى. هناك ظروف كثيرة تساعد على أن يكون الشعب أكثر ذكاء وعلما وإنتاجا وابتكارا وتطورا وتقدما، وظروف أخرى تجعل نفس الشعب أكثر غباء وجهلا وكسلا وتخلفا وتأخرا.
بعضنا صدق وهما أننا الشعب الأكثر ذكاء، وبعضنا صدق كذبا أننا الشعب الأكثر كسلا وبلادة.
الثقافة المتكلسة هى التى تجعلنا ندمن الوقوع فى مثل هذا النمط من التفكير الخاطئ طوال الوقت.
كيف يكون منطقيا أن نعتقد أن منتخبنا هو من أفضل الفرق عالميا قبل بداية المباراة وبعد أن ينهزم نكاد نجزم ونوقن أنه من اسوأ الفرق؟
هذه الحالة ليست قاصرة على الكرة أو الرياضة فقط. هى نمط وحالة تفكير تتكرر كثيرا، ولا تقتصر فقط على فئات بعينها من الشعب، بل تشمل معظمنا بمن فيهم من يعتقد نفسه الأكثر علما وثقافة وتنورا ووعيا!
قرأت تعليقا أعجبنى على صفحة زميلة إعلامية على الفيسبوك يقول: «أحمد فتحى من أفضل اللاعبين وقدم الكثير مع المنتخب.. كفاية بقى موضوع خسف الأرض مع كل غلطة، دى وصلت أنهم يشككوا فى محمد صلاح، صحيح كلنا زعلانين، بس هى دى الكورة.. خلاص خلصنا»!!.
انتهى كلام الزميلة، والمشكلة أن ما حدث مع أحمد فتحى، يحدث فى حالات كثيرة، لأننا لا نفكر كثيرا بعقولنا بل بقلوبنا وانفعالاتنا. فى لحظة نصعد بالأشخاص إلى عنان السماء لمجرد أنهم أجادوا، ثم نهبط بهم إلى أسفل سافلين مع أول خطأ.
المشكلة فى كل ذلك أننا لا نريد أن نتعلم فضيلة الموضوعية، وهى ببساطة أن ندرك طوال الوقت الحجم والوزن النسبى الصحيح للأشخاص والهيئات والمسئولين والنجوم فى كل المجالات. لو فعلنا ذلك، فلن نحولهم إلى آلهة كما لن نحولهم إلى شياطين!!
لكن يبدو أن هناك مشكلة مزمنة فى الثقافة العامة للمجتمع منذ عقود. كنا نقول «الشعب المعلم والشعب القائد» ثم استدرنا لننتقد الشعب وكسله وأنه لا يعمل أكثر من ٢٧ دقيقة يوميا.
صديق عزيز عركته الحياة، يقول لى دائما: «المشكلة ليست فى الشعب، بل فيمن يديرون أمور هذا الشعب ودائما الامور نسبية، فهناك أناس يعملون بجد طوال الوقت وآخرون كسالى، وإذا كان التعليم والقيم والثقافة بخير سوف تحصل من الشعب على أفضل ما فيه، والعكس صحيح، ولا يمكن لعاقل أن يلوم شعبا بالكامل ويقول إنه كسول، أو يمدحه ليقول إنه مثالى، هناك ثقافة عامة فى وقت معين يمكنها أن تعلى من قيم العمل والإنتاج والابتكار وقد تقود إلى قيم الكسل والتبلد والفهلوة والرشوة».
إذا كان التعليم ليس فى أفضل حالاته ــ كما يقول صديقى ــ فهل تتوقع أن يصبح مجتمعنا مثل نظيره الألمانى أو اليابانى أو الصينى أو الامريكى؟ الإجابة بالطبع لا!
نحتاج إلى أن ندرب أنفسنا على الموضوعية وعدم المبالغة، وأن ننظر إلى أنفسنا بصورة هادئة، نرى عيوننا فنصلحها، ونعرف مزايانا فنعظمها، لكن الأفورة تقود دائما إلى مآسى لا حصر لها.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع