أين سوف يذهب الإعلاميون والصحفيون الذين استغنت عنهم أماكن عملهم فى الشهور الأخيرة؟!
أتمنى أن تنشغل كل الجهات المعنية وذات الصلة بالبحث عن إجابة لهذا السؤال الصعب؟!
لا أتحدث اليوم عن السياسة أو المحتوى أو لماذا تقشفت هذه الصحيفة أو توقفت تلك المحطة ــ فذلك موضوع متشعب ــ لكن أتمنى أن ننشغل جميعا بالتفكير فى أمر الزملاء الذين يفقدون وظائفهم.
فى الشهور الأخيرة شهدت غالبية الصحف والفضائيات عمليات تقشف واسعة النطاق بفعل أزمات اقتصادية طاحنة. نعلم جميعا أن أسعار الورق ارتفعت عالميا أكثر من مرة. قبل أقل من سنتين كانت الزيادة ٨٠٪، بسبب تداعيات قرار تعويم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، وقبل شهرين ارتفعت الأسعار مرة أخرى إلى نسب تقترب من ٤٥٪ بسبب تغيرات فى سوق الورق عالميا بفعل الحروب التجارية بين أمريكا والصين وأوروبا، أو لتغيرات فى قوانين عالمية تتعلق بآليات استخدام بعض أنواع الوقود فى النقل.
هذه الارتفاعات مصحوبة بتراجع حصة الإعلانات التجارية، خصوصا تلك الموجهة للسوق المصرية إقليميا، حتمت على غالبية الصحف وقف التعيينات، أو تخفيض الرواتب ورغم ذلك كان غالبية الصحفيين يتقبلون هذه الإجراءات مكرهين، لكن الجديد أن العديد من الصحف والفضائيات بدأت عمليات استغناء واسعة النطاق عن بعض العاملين فيها.
فى الماضى عندما كان يتم الاستغناء عن زميل، كان يجد فرصة فى صحيفة أو فضائية أو موقع إلكترونى آخر. الآن عمليات التقشف تتم على نطاق واسع. وفى الشهور الأخيرة، رأينا العديد من الصحف والفضائيات والمواقع تتقشف أو تتوقف نهائيا سواء طوعا أو كرها.
النتيجة أن مئات الصحفيين والإعلاميين وجدوا أنفسهم جالسين فى بيوتهم، لا يجدون فرصة عمل، تحافظ لهم على الحد الأدنى من الدخل اللازم لمعيشتهم، وبعضهم لم يعد يملك الا البدل النقدى الذى تقدمه نقابة الصحفيين ولا يزيد على 1670 جنيها.
فى بعض المؤسسات كانت عمليات الاستغناء واسعة النطاق، ونظرا لعدم وجود فرص عمل فى صحف أو مواقع أو فضائيات أخرى، كان الجلوس فى المنزل هو الخيار الوحيد. أعرف قصصا مأساوية كثيرة لزملاء فى المهنة، لا يصدقون حتى الآن أنهم بلا عمل، بعضهم كانوا نجوما بارزة فى سماء الإعلام وبعضهم كانوا فى بداية مشوارهم المهنى.
مرة أخرى، لا أتحدث الآن عن سبب هذه الظاهرة، لكن أتمنى أن نلتفت جميعا إلى تداعياتها.
علينا أن نسأل سؤالا بسيطا: هل ندرك خطورة أن يجلس المئات وربما الآلاف من الإعلاميين بلا عمل وبلا أى مصدر رزق؟!
فى السنوات الأخيرة صار فى كل جامعة كلية إعلام أو أكثر من قسم للإعلام فيها. والجميع يحلم بأن يصبح صحفيا لامعا، أو مذيعة مشهورة، ودخل المهنة من يستحق ومن لا يستحق، لكن النتيجة النهائية أن هناك أكثر من ١٢ ألف صحفى عضو فى نقابة الصحفيين، وربما مثلهم أو أكثر غير معينين، وآلاف آخرين يعملون فى الفضائيات ما بين مذيعين ومعدين ومصورين وفنيين.
السؤال بطريقة أخرى: أليس هناك احتمال أن تحاول جهات ليست بريئة استقطاب بعض هؤلاء الإعلاميين بحجج مختلفة، وأليس واردا أن يضعف بعض هؤلاء أمام إغراءات لقمة العيش؟!
أتمنى أن تكون هناك لجنة طارئة تدرس هذا الملف ويكون ممثلا فيها نقابتا الصحفيين والإعلاميين والمجلس الوطنى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام والوطنية للصحافة، وكل جهة مختصة ومعنية بهذا الملف الحيوى والحساس، قبل ان يجدوا المئات معتصمين فى نقابة الصحفيين، أو نقابة الاعلاميين الوليدة.
لا نريد لجنة روتينية تصدر توصيات لا يتم تنفيذها، ثم تذهب إلى حال سبيلها، ولا نريد كلاما مرسلا. ما نريده دراسة وافية للمشكلة وأعراضها والتداعيات المأساوية، التى يمكن أن تنتج عنها. هناك احتمالات كبيرة أن يؤدى تسريح وإنهاء خدمات مئات الصحفيين والإعلاميين إلى نتائج ضارة جدا للأمن القومى، وبالتالى فالمطلوب أن يتم البحث فى آليات وخطوات إجرائية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.
أتمنى أن تكون هناك تحركات عاجلة قبل ان نتفاجأ بأن بعضا من الزملاء العاطلين عن العمل كرها، قد تحولوا إلى تروس فى آلة الحرب الاعلامية المسعورة ضد مصر.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع