بقلم: سمير عطا الله
يبدأ انتظار رمضان في القاهرة مبكراً في لهفة وترقب. تدخل المدينة في هالته منسابة هادئة مثل نهرها المبدع البديع. تستعد على عجل للصوم والعطاء. تتغير ملامح فقرائها إلى فرح ورضا. يكثر الإيمان وتهزل الشكوك في القلوب الضعيفة. وتشعر كأن جميع الناس يتدافعون نحو القِبلة. وتنشر آداب رمضان في الصحف. وتتعالى التلاوات في الأحياء والطرق. وتكثر العودة إلى استذكار المقرئين وأثرهم الدائم في القلوب، وتخفت أصوات الغاضبين ويرعوون ويخجلون بهذا النقص المعيب في النفوس. وتظهر في الأسواق، فرحة تلمع، لوازم الشهر الفريد. وحتى قوانين الزحام تعدّل نفسها ويعطي السائقون أحقية الصوم للمشاة. ويعم الهدوء كأنك في مدينة أخرى.
من أجمل وأنقى وأعمق المقدمات إلى رمضان هذا العام، كتاب، أو ملحمة، أو مجلد، أو سِفر «عالم اليقين» للأستاذة سناء البيسي. غلافه باللون القرآني الأخضر وطياته بدفق القلب المعهود، وأما أسلوبه، فالخيار لك: البعض يقول إنها أم كلثوم الكتابة. وأنا قلت إنها «شلال الأهرام المتدفق». وبعد قراءة «عالم اليقين» أيقنت أن سيدتنا الكاتبة والمؤرخة الكبيرة، هي ملكة المفردة وشاعرة النثر.
تعطي سناء البيسي الإيمان واليقين والشغف الديني، روعة المفكر مؤمناً، والباحث موقناً، والمؤرخ مصدِّقاً. ولا شك في أنها بمجلد من 700 صفحة تخاطب نفسها أولاً وتسجد في ذاتها، ولكن كما هي حال المنارات: تعتقد أنها تضيء لحالها؛ فإذا الأنوار في كل صوب من حولها.
كنا على العشاء إلى مائدة المهندس إبراهيم المعلم عندما سألت عن أخبار سناء البيسي. قال الدكتور عمرو موسى إنه يشارف على إنهاء كتابها الجديد. وقال وزير الخارجية السابق الدكتور نبيل فهمي إنه أنجز قراءته. وطلب المهندس صلاح دياب، صاحب وكاتب «المصري اليوم» رقماً، ثم أعطاني هاتفه لكي أقدم احترامي شخصياً إلى صاحبة المفردة المغنية، والآن المفردة الخاشعة.
في حكومة مصر ثماني سيدات. 25 في المائة. لكن علامة المرأة المصرية ليست في الحكم، أو في السياسة. رئيسة أهم جامعة في لندن مصرية. متقدمات العلوم في جامعات مصر، نساء. الأدب المصري البارز في اللغات الأجنبية أنثوي الأقلام. والأولوية النسائية ليست تقليداً جديداً في مصر، بلاد نفرتيتي وكليوباترا وأم كلثوم.
كل دقيقة يقول المصريون «كل سنة وانت طيب». كل عام وأنتم بخير. وقد كان في ودّي أن أزيد في المفكرة. لكن مواضيع مصر موال لا نهاية له. وثرثرة (حلوة) على النيل.