بقلم : سمير عطا الله
كان رد الفعل الإيراني على سلسلة القمم في جدة، متوقعاً وطبيعياً، وفوق ذلك مشروعا أيضا. تخيّل المشهد من طهران على شاشات العالم: زعماء العالم الإسلامي يصلون مكة، إلا هي. وزعماء الخليج العربي، بمن فيهم قطر على مستوى رئيس الوزراء، وزعماء العالم العربي، إلاّ سوريا، والجميع يوقعون بيان مكّة إلاّ الرئيس العراقي، الذي قرأ بياناً لم يكتبه وأعلن موقفاً ليس موقفه.
طوال نهارين وليلتين وطهران تتابع – مثل بقية العالم – سيدة من بنغلاديش، وقادة من جميع الأعمار والأعراق والقارات، يتوافدون تباعاً للتوقيع على موقف تاريخي شبه إجماعي، في جوار الكعبة. تخيّل نفسك محل إيران، لا يساندك سوى عبد الله الحوثي ونيكولا مادورو. تصور نفسك وأنت تتهم مكّة بإضاعة القضية الفلسطينية، ثم ترى الرئيس محمود عباس أول الحاضرين: في القمة العربية وفي الإسلامية، ولولا الترتيبات الرسمية لشارك في الخليجية أيضا. فليس له بينهم سوى رفاق وأصدقاء وأركان قدماء في دعم القضية الفلسطينية. ليس بالثرثرة ولا بالخطب. بعد أبو عمار أكثر إنسان يعرف ماذا فعل الملك سلمان لفلسطين، هو أبو مازن. لذلك، دخل إلى مكة كمن يعود من سفر.
يقول مفكرو الممانعة في هذا الضيق السياسي الخانق، إن السعودية تذرعت بقضية إيران لكي تحيد الأنظار عن القضية الأم. هذا كلام مستشرقين أو مستعربين؟ ويفيد فقط في التسلية وتشجيع الفرق الإيرانية على الانتحار. وكم لزج هذا الكلام عندما يقال وأهل مكة يشهدون ملايين البشر يطوفون أمامهم في بحر دائم من البشر.
تخيّل نفسك في طهران، تسخر من القمم وتشكك في أهميتها ثم يطالعك هذا المشهد الذي لا مثيل له في أي مكان، في أي تاريخ. هل كانت هذه المشاهد المتلاصقة، مقصودة ومرتبة؟ إذا كانت كذلك، فقد حققت أهدافاً لا سابق لها، وإذا كانت عفوية، فقد أبلغت رسالة لا مثيل لها، لجميع من يهمه الأمر.
من حق إيران، عندما ترى نفسها في مثل هذه العزلة وهذا الحصار، أن تغضب وتهدد. وأن تدعو إلى اجتماع طارئ يضم ممانعي العالم. ولكن من حقّها أيضا أن تتأمل المشهد جيداً وتساءل نفسها: ماذا لو كنت في تلك القمم إلى جانب إخواني في الإسلام وجيراني في الخليج؟ ماذا لو كانت هناك مبادلة وعلاقة طبيعية بدل كل هذا الهرج العنيف وشوارع الإسلامبولي؟
إلى اللقاء...