بقلم : سمير عطا الله
كان بنيتو موسوليني قد انتقل من صحافي شعبوي ناجح إلى زعيم غوغائي ناجح. وانتقل من عضو في الحزب الاشتراكي إلى زعيم للحزب الفاشي. وذهب إليه ذات يوم رفيق من قدامى الاشتراكيين، ألدو باريتي، وقال له: يا بنيتو، أنا خائف عليك من الغرور. عليك ألا تنسى رفاقنا القدامى. بعضهم بلا عمل، وبعضهم بلا أي معاش تقاعدي. يجب أن نبحث لهم عن شيء، أي شيء. فأجابه الدوتشي: أنت مسكين يا ألدو، لا تفهم المتغيرات. لماذا لا تنضم إلينا، وتنسى الفقر، أنت وهؤلاء السذج؟
قال باريتي: يا بنيتو، أنا خائف عليك أكثر من خوفي على رفاقنا. إنك تشعل الجماهير في خطب طنانة وفارغة، وسوف يرتد هؤلاء عليك ذات يوم، كما ارتدوا على كولا دي رينزي! وكان هذا إيطالي شهير عاش في القرن الرابع عشر، حشد خلفه الجماهير ضد السلطة، وذات يوم غضبت هذه الجماهير المساقة بغرائزها، وانقضت عليه حتى الموت.
طمر موسوليني الإيطاليين بالخطب الحماسية، وأخفق في كل شيء آخر. تعلم من تجربته في الصحافة أن أكثر الناس تلحق الإثارة، لا العقل. ومثل كل ديكتاتور، كان مقتنعاً بأن ما حدث لكولا دي رينزي لا يمكن أن يحدث له. وهذا تماماً ما حدث له عندما حاول الفرار، وقبضت عليه جماهير غاضبة ومتوحشة، فعلقته من ساقيه، هو وعشيقته.
يرفض الديكتاتور فكرة المصير المشابه. يعتقد دائماً أنه مختلف. ثم يصدق كذبه بعد أن يصدق كذب الآخرين. يستمرئ لعبة الغش والتكاذب المتبادل بينه وبين الناس. ثم ينسى تماماً أن الانقلاب الذي سهل عليه، من السهل على غيره أيضاً. تكرر مشهد كولا دي رينزي في أماكن كثيرة. القذافي كان أيضاً هارباً عندما قبضت عليه مجموعة لم تتعلم القانون في جماهيريته. صدام حسين رفض أن يفكر في أن حبل المشنقة يمتد إلى كل الأعناق المستبدة. عمر البشير ظن أن رقصة العصا سوف تخدر مواطنيه ثلاثين عاماً أخرى قابلة للتجديد. لم يقرأ حكاية كولا دي رينزي. وكان مقتنعاً بأن ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن لا يمكن أن يحدث له أيضاً. وفي يومه الأخير، قرر أن يفعل ما فعله علي عبد الله صالح من قبل: دعا مؤيديه إلى التظاهر في وجه المتظاهرين الآخرين. هكذا فعل القذافي أيضاً. ما من ديكتاتور يصدق دروس التاريخ. عندما تتكدس سنوات الخواء والبطر والغرور إلى هذا الحد، تشكل سوراً بين الرجل والحقيقة. في روما اليوم ساحة شهيرة باسم كولا دي رينزي. اسم موسوليني ممنوع من الذكر.